


«أطباء بعمة المشيخة».. رحلة بحث عن وسيلة منع الحمل في العيادات استبدلها الأطباء بفتوى الحرمانية (تحقيق)
كتب: رحاب جمعة




تزوجت هيام "اسم مستعار" وبداخلها حلم تأجيل للإنجاب حتى تنعم بحياة هادئة في بداية زواجها من دون مسئولية طفل، سألت والدتها وصديقاتها المتزوجات وجميعهن رفضوا الفكرة مجمعين أن التأجيل من الأمور المحرمة وقد يعاقبنا الله عز وجل عليه مستقبلاً ويحرمنا من نعمة الإنجاب.. فلم تجد أمامها سوى الذهاب لطبيب متخصص فهو الشخص الوحيد الذي سيساعدها لتحقيق هدفها، ولكن أكدت أنه انضم لنفس رأيهم، قائلا: "حرام شوفي دكتور غيري".
200 سيدة للعاصمة : حصلنا على رفض قاطع من الأطباء لتأجيل الحمل بسبب زواجنا الحديث
هيام ليست السيدة الوحيدة التي عانت في رحلة بحثها عن طبيب يوافق على إعطائها وسيلة مناسبة لتأجيل الحمل في بداية زواجها، ففي استطلاع رأي بسيط على 200 سيدة أعمارهن تبدأ من 20 لـ 28 سنة، في بداية زواجهم عانوا من نفس الأزمة وأنهن لم يوافق لهن أي طبيب على فكرة تأجيلهن الحمل تحت مقولة: "حرام وشوفيلك دكتور غيري".
جولة لـ «العاصمة» على 5 عيادات خاص وحكومي للبحث عن وسيلة لمنع الحمل والأطباء لـ المحررة: «حرام»
"العاصمة" قامت بجولة على عدد من الأطباء من مختلف المناطق لطلب تركيب وسيلة منع حمل والتي باءت جميعها بالفشل.
في البداية ذهبنا لطبيب "ي.م" في منطقة الهرم، هو من الأطباء المعروفين بالمنطقة، عيادته كبيرة، وسعر الكشف كبير، وتلك العيادة خاصة بالطبيب فقط ولا يوجد شريك له، فور دخولك العيادة ستجد سكرتيرتين في الريسبشن وهم يرفضا تسجيلك للكشف ضمن الحضور إذا لم تتصل تليفونيًا قبلها للحجز.
داخل العيادة تجد ثلاث غرف للانتظار وستجد العيادة مملؤة بالسيدات الحوامل في مختلف أشهر الحمل، دخلت محررة العاصمةعندما جاء دورها في الكشف بعد انتظار ظل لمدة ساعة كاملة، وأخبرته أنها حديثة الزواج وتبحث عن وسيلة تؤجل بها الحمل لفترة لظروف معينة، فرد: هل تلك الظروف طبية؟، فأجبناه ليست طبية ولكن نرغب في التأجيل، فسأل عن السبب وراء هذا التأجيل، وعندما أجبناه بأننا نرغب في العيش زوجين بمفردنا قبل تحمل مسئولية طفل صغير، فكان رده: "لما انتوا مش قد المسؤولية ليه اتجوزتوا..وبعدين أي وسيلة حمل حاليًا هتتسبب ليكي في مشاكل بعدين وهتمنعك من الإنجاب في المستقبل.
لم نجد عند طبيب الهرم حل، فتوجهنا لطبيبة في منطقة العمرانية، وهنا كانت العيادة عبارة عن صالة كبيرة ممتلئة بالسيدات الحوامل وفي جانبها مكتب للسكرتيرة التي تنظم عملية دخولهن للكشف، والتي استقبلتنا في البداية بترحاب، وفي حجرة الكشف قابلنا الطبيبة التي غرفتها تستخدم في إجراء عمليات الولادة، وبالرغم من أنها تعتبر غرفة عمليات إلا إنها غرفة صغيرة.
في بداية حديثنا مع الطبيبة عددت لنا وسائل منع الحمل، ولكن عندما علمت أنه لم يسبق لي الإنجاب، تغيرت نبرة صوتها وقالت: "ليه يا حبيبتي تعملي كده في نفسك، انتي متأكدة انك متجوزة"..شرحنا لها السبب ولكن لم يتغير الأمر وأبدت تعجبها من الطلب وقالت: "فيه ناس بتتمنى ضفر عيل بس في النهاية أنا مليش دعوة بس مش هشارك في حاجة زي كده، حضرتك شوفي أي دكتورة تانية بير سلم".
الاستياء الذي قابلتنا به طبيبة العمرانية كان غريب، ولكن لم تكن المحطة الأخيرة، توجهنا بعدها لعيادة في منطقة إمبابة، لم يختلف شكلها عن عيادة العمرانية ولكن المختلف الوحيد أن الكشف يبدأ من الساعة الثامنة صباحًا تبدأ السيدات تصطف تحت العمارة التي بها العيادة بالدور حتى تصل السكرتيرة التي تنظم عملية الدخول التي تبدأ بعد ساعتين في تمام العاشرة، لتدخل السيدات للكشف كل منهن حسب دورها.
أقرأ أيضًا..
استشاري نساء وتوليد: «الواقي الذكري» الوسيلة المناسبة لمنع...
عندما جاء دور محررة العاصمة في الكشف، قابلنا دكتور "ص.ف" والذي كان حديثه بشكل علمي غير مفهوم بشكل كبير ولكن محتواه أن الطب أكد أن تأجيل الحمل للسيدة في بداية زواجها يؤخر من فرص الحمل وقد يقضي عليها، وفي نهاية الكشف قال: خلفي عيل واحد وبعدين خدي وسيلة كده اضمن علشان متتحرميش من نعمة الإنجاب".
وافقه في الرأي دكتور "س.أ" استشاري النساء والتوليد بمستشفى الجلاء، والذي رفض بمجرد علمه أني حديثة الزواج، وعلل رفضه بالحرمانية قائلاً: "انتي كده بتعارضي إرادة ربنا..وربنا مبيتعاندش"، وبعد تبادل أطراف الحديث والتي عللنا فيها أن التأجيل بسبب الظروف الاقتصادية وأني مديونة كان رده مرتبط بالدين أيضًا حيث قال: "كل عيل بيجي برزقه ولو عطلتي إرادة ربنا هتعطلي رزقه".
لم يختلف رأي دكتورة "ن.س" رغم أن عيادتها فاخرة بأحد المناطق الراقية في مصر الجديدة، والتي تشبه بشكل كبير عيادة الهرم ولكن الفرق أن العيادة أكبر ويعمل بها طبيبين أشقاء كلا منهم تخصص، وكل طبيب فيهم له حجرة الكشف الخاصة به، بينما الاستراحة الكبيرة مشتركة بين المرضى.
عندما جاء دورنا في الكشف وضحنا غاية الزيارة، ولكن دكتورة "ن.س" رفضت وعللت رفضها لإعطاء أي فتاة حديثة الزواج وسيلة لتأجيل الحمل بأن وزارة الصحة والطب لم يوفر حتى الآن وسيلة آمنة لتأجيل الحمل لمن لم يسبق لهم الولادة قبل ذلك، وأشارت أن أي وسيلة من الوسائل الموجودة تلك الفترة ستتسبب في أذى كبير إما تأجيل الحمل فترة كبيرة أو صعوبة حدوث حمل على الأرجح.
والمفاجأة الكبيرة أن تلك الطبيبة لم تكتفي بهذا الرأي بل قالت في النهاية: "مفيش دكتور محترم هيقبل يركبلك لولب أو يديكي وسيلة تأجلي بيها الحمل بشكل آمن..مفيش غير دكاترة اللي بيعملوا إجهاض في العيادات بس اللي هيوافقوا على حاجة زي كده".
في النهاية لم تجد هيام والكثير من الفتيات حديثي الزواج سوى وسيلة واحدة وهي "حبوب منع الحمل" التي تتسبب في الكثير من المشكلات حال أخذها دون وصفة طبية، كما أن البعض منهم استسلم للأمر الواقع ولغى فكرة التأجيل لعدم وجود طبيب واحد يساعدهم رغم أن القانون يكفل حق الإنسان في العلاج.
استشاري نساء وتوليد: تأجيل الإنجاب بداية الزواج لا يؤثر على فرص الحمل
في جولتنا وجدنا أن الأطباء ربطوا رفضهم لمنح الفتيات حديثي الزواج وسيلة لتأجيل الإنجاب بالطب وأن أي وسيلة لهن ستتسبب في مشاكل فتواصلنا مع ريم حماد، استشاري أمراض النساء والتوليد، والتي أكدت أنه لا يوجد أي موانع طبية لتأجيل الحمل طالما تم اختيار وسيلة للمنع مناسبة.
وأضافت في تصريح خاص لـ "العاصمة" أن هناك عدة إجراءات قبل اختيار الوسيلة حيث تأتي الفتاة وزوجها أو خطيبها لزيارتي وأقوم بإجراء سونار للفتاة للاطمئنان على الرحم والمبايض، وتحليل هرمونات للاطمئنان عليها وذلك حتى بتم تحديد الوسيلة المناسبة لها، مشيرة أن الطريقة الآمنة الوحيدة لتأجيل الإنجاب في بداية الزواج هو الواقي الذكري.
وبخصوص الفتيات اللاتي تلجأ لحبوب منع الحمل لتأجيل الإنجاب قالت الدكتورة ريم حماد، إذا كانت الفتاة حالتها الصحية غير مضطربة ولا تعاني من أي مشاكل في الهرمونات فحبوب منع الحمل لن تؤثر عليها، أما في حال كانت تعاني فبالتالي ستتأثر حالتها الصحية من حبوب منع الحمل.
وعن رفض الأطباء أشارت إلى أن سبب الرفض لأن الطب يتأكد من فرصة الحمل بين أي زوجين تكون بوجود علاقة زوجية منتظمة ووجود وسيلة للتأجيل تكون عائق لتقييم فرصة الحمل، مشيرة إلى أن التأجيل في النهاية يعتمد على السن والحالة الصحية والتي يقيمها الطبيب فإذا كان هناك تقييم الطبيب على هذا الأساس فهو صحيح أما فيما عدا ذلك فتأجيل الحمل بالوسيلة المناسبة ليست حرام ولن تشكل خطورة على الإنجاب في المستقبل.
وأشارت استشاري النساء والتوليد أن الفترة الأخيرة زادت زيارات الفتيات حديثي الزواج اللاتي لم يسبق لهن الإنجاب لعيادتها وهم فئات مختلفة فمنهن من ترغب تأجيل الإنجاب للاستمتاع بحياتها قبل تحمل مسئولية طفل، ومنهن من ترغب في التأجيل خوفًا من شريك حياتها والطلاق فتريد التأجيل حتى تتأكد من اختيارها لشريك حياة مناسب، ومنهن من تبحث عن التأجيل حتى تستقر حياتها الزوجية بسبب غلاء الأسعار والحالة الاقتصادية الصعبة.
نقابة الأطباء: الطبيب الممتنع عن تقديم الخدمة الطبية في المستشفيات الحكومية فقط هو الذي يعاقب
ومن جهته قال الدكتور أحمد حسين، عضو مجلس نقابة الأطباء، أن امتناع أي طبيب عن تأدية الخدمة الطبية في العيادات الخاصة أمر عادي، طالما الحالة المرضية للمريض ليست طارئة، ولكن في المستشفيات الحكومية الامتناع عن تقديم الخدمة الطبية كالامتناع عن توفير وسيلة تأجيل حمل للفتيات حديثي الزواج غير قانوني ويحاسب الطبيب عليه.
فإذا تقدمت أي سيدة بشكوى رفض الطبيب توفير وسيلة لتأجيل حملها لأنها حديثة الزواج ولم يسبق لها الإنجاب، وتوجهت بها لنقابة الأطباء سوى يتم تحويل الطبيب لمحاكمة تأديبية، وستتم معاقبته حسب التحقيق في الواقعة.
وزارة الصحة: لا نملك سلطان على رفض الأطباء تقديم الخدمة الطبية للمرضى في عياداتهم الخاصة
وأكد حسام عبد الغفار، المتحدث الرسمي لوزارة الصحة، أن الوزارة ليست لديها السلطة لإجبار أي طبيب من تقديم الخدمة الطبية في عيادته الخاصة إلا في حالة الطوارئ، ولكن حال امتناع أي طبيب عن تقديم الخدمة الطبية داخل المستشفيات الحكومية يتم التحقيق في الواقعة ومعاقبته حسب الضرر الذي وقع على المريض.