الأمم المتحدة: نزوح 1.5 مليون غزاوي قسرا إلى جنوب القطاع وأحياء المدينة
كتب: متابعات
مع استمرار تجاهل دعوات وقف إطلاق النار في غزة، وعدم وجود أي مقومات للحياة داخل القطاع الذي يعاني من تفاقم في نقص الأغذية والوقود ومياه الشرب والأدوية، فضلا عن تعنت الاحتلال الإسرائيلي في إدخال المساعدات الإنسانية، اضطر عدد كبير من سكان شمال القطاع إلى النزوح جنوبا.
وبحسب تقديرات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فإنّ نحو 1.5 مليون، أي أكثر من نصف سكان قطاع غزة، اضطروا إلى النزوح داخل القطاع سواء إلى الجنوب أو بين أحياء مدينة غزة، ويحتمي قرابة 700 ألف منهم بمبان تديرها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، فيما اتّخذ عشرات الآلاف، من المستشفيات والكنائس مآوى لهم.
وأكّد المكتب، في وقت سابق، أنّ ملاجئ الأونروا في الجنوب تأوي ما يفوق طاقتها ولم تعد قادرة على استقبال المزيد، مشيرا إلى أنّ الكثير من النازحين ينامون في العراء في الشوارع قرب الملاجئ.
من جانبها، أكّدت منظمة الصحة العالمية، أنّ أكثر من ثلث مستشفيات غزة البالغ عددها 35، خرج من الخدمة وأنّ المرافق التي ما زالت تعمل تبلغ دوريا عن وجود نقص حاد في الوقود، وهو ما قلّص إمداداتها من الكهرباء بشكل كبير.
وقال صحفي الفلسطيني، يدعى "رائد اللافي"، في تصريحات صحفية، إن جيش الاحتلال الإسرائيلي سمح للمرة الثامنة، لسكان مدينة غزة وشمالها بالعبور إلى الجنوب، أمس الثلاثاء.
وأوضح أن التعداد السكاني لسكان مدينة غزة، ومعها بلدات بيت حانون، وبيت لاهيا، ومخيم جباليا، وقرية أم النصر، يصل إلى مليون و100 ألف نسمة، استجاب منهم الآلاف للدعوات الإسرائيلية بالنزوح جنوبا، فيما قررت الغالبية البقاء.
نزوح 5000 شخص إلى جنوب غزة خلال 4 ساعات
وبحسب مكتب الأمم المتحدة، لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا"، فإن 5000 شخص فروا سيرا على الأقدام إلى جنوب غزة خلال 4 ساعات، أول أمس الإثنين، حيث إنه نظرا لتعرض الطرق المؤدية إلى تقاطع المعبر الرئيسي في قطاع غزة لأضرار جسيمة، لم يكن من الممكن الوصول إليه إلا سيرا على الأقدام.
وقال مكتب الأمم المتحدة، في بيان له نشرته شبكة CNN: "أفادت عائلات بأكملها، بما في ذلك الأطفال وكبار السن والأشخاص ذوو الإعاقة، أنهم يسيرون لمسافات طويلة حاملين أمتعتهم الشخصية بأيديهم، وحوالي 1.5 مليون شخص في غزة نزحوا داخليا، ومن بينهم، يعيش حوالي 717,000 شخص في 149 منشأة تابعة لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى الأونروا، و122.000 في المستشفيات والكنائس والمباني العامة، و110,000 شخص في 89 مدرسة، والباقي يقيمون مع عائلات مضيفة".
وأضاف: "يستضيف مركز تدريب خان يونس التابع للأونروا أكثر من 22,000 نازح داخليا، بمساحة للشخص الواحد أقل من مترين مربعين، ويتشارك ما لا يقل عن 600 شخص في مرحاض واحد".
حرب العطش والجوع
«لم نشرب ماء منذ يومين».. كلمات بالكاد تخرج من حلق طفل فلسطيني أصابه الإعياء والخوف الناتجين عن استمرار القصف الإسرائيلي على القطاع غزة لليوم الـ33.
ويُعاني سكان قطاع غزة من نقص حاد في المياه بعد أن توقّفت محطّتين لتحلية مياه البحر عن العمل بسبب نقص الوقود، وتعمل أخرى بالحدّ الأدنى، وفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.
وفي شهادة أخرى عن الوضع المعيشي في قطاع غزة، قالت سيدة إنّ المواطنيين يشربون المياه المالحة (البحر) في ظل شحّ المياه الصالحة للشرب ونقص الإمدادات الموجّهة إليهم في المدارس التابعة للأونروا.
وأظهرت مقاطع فيديو طفلة صغيرة تحاول امتصاص قطرات الماء من خزان وُضع على عربة يجرّها حمار دون جدوى، في مشهد مؤثّر يصوّر حجم المعاناة التي يعيشها الأطفال والنساء في قطاع غزة.
وتقول منظمات دولية تُعنى بالغوث الإنساني، إنّ الأزمة تجاوزت عدد الشهداء الذي فاق عشرة آلاف، مؤكّدة أنّ الجوع والعطش باتا يهدّدان مئات الآلاف من المواطنين الذين ينتظرون إلى حد الآن دخول المساعدات والإمدادات عبر معبر رفح الحدودي مع مصر.
وفي وقت سابق، أكّد المتحدّث باسم وزارة الداخلية بغزة أنّ عدم توفّر مياه الشرب في محافظتي غزة وشمال غزة دفع السكان إلى شرب المياه الملوثة، مشيرا إلى أنّ نحو 900 ألف من سكان القطاع يواجهون كارثة بعد توقّف المخابز وانقطاع مياه الشرب.
وقال أحد المواطنين، إنّ أكثر من 25 إنسانا يتشاركون زجاجتَيْ ماء كل فترة طويلة، والمياه التي نشربها في أغلب الأحيان غير صالحة للشرب وأحيانا نملأ الزجاجات من ماء البحر.
ويقول مواطنون في قطاع غزة، إنّ الاحتلال يوسّع دائرة قصفه قطاع غزة واستهدافه التجمّعات السكنية المأهولة بهدف إجبار السكان على المغادرة وتهجيرهم إلى الجنوب، وذلك ضمن خطط الهجوم البري.
وتشير تقارير إعلام محلّي إلى أنّ الكيان يوجّه طائراته لقصف المرافق الحيوية في قطاع غزة؛ من أجل تخويف المواطنين ودفعهم إلى مغادرة منازلهم، مضيفة أنّ الاحتلال كثّف في الفترة الأخيرة قصفه المستشفيات وخزانات المياه والمخابز وهي كلها مرافق حيوية بدرجة عالية.
وإضافة إلى قطع المياه، كثّف الاحتلال استهدافه المخابز (11 مخبزا) في القطاع، ما عمّق الأزمة الغذائية ونقص إمداد السكان بالخبز.
وكان مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، أكّد أنّ المطحنة الوحيدة المتبقية في غزة لم تعد قادرة على طحن الدقيق بسبب نقص الكهرباء والوقود، فيما أوضح برنامج الأغذية العالمي أنّ مخزونات السلع الغذائية الأساسية في القطاع مثل الأرز والزيوت النباتية على وشك النفاد في فترة تتراوح بين يوم وثلاثة أيام.
وأصدر مسؤولو الوكالات الرئيسية التابعة للأمم المتحدة، بيانا مشتركا نادرا، أبدوا فيه غضبهم من ارتفاع عدد الضحايا المدنيين في غزة، مطالبين بوقف فوري إنساني لإطلاق النار.
وجاء في بيان الـ18 منظمة أنّه في غزة "يتعرّض شعب بكامله للحصار والهجوم، ويُحرم من الوصول إلى العناصر الضرورية للبقاء على قيد الحياة، ويُقصَف السكان في منازلهم وفي الملاجئ والمستشفيات وأماكن العبادة. هذا أمر غير مقبول".
ممرات الموت
تقول منظمات إنسانية، إنّ حرب التجويع الإسرائيلية تبلغ ذروتها في قطاع غزة من خلال منع الإمدادات الغذائية، وقصف المخابز، وخزانات المياه.
وفي بيان أصدره تعليقا على الاستهداف الإسرائيلي للمرافق الحيوية، قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّ "القانون الإنساني الدولي يحظر بشكل صارم استخدام التجويع كوسيلة من وسائل الحرب، وباعتبارها القوة المحتلة في غزة، فإنّ إسرائيل ملزمة وفقا للقانون الإنساني الدولي بتوفير احتياجات سكان غزة وحمايتهم".
وتؤكّد التقارير الدولية، أنّ حرب التجويع التي يقودها الكيان، تهدف بشكل رئيسي إلى إجبار السكان على مغادرة القطاع ضمن ما تزعم أنّه "ممرات آمنة".
وفي وقت سابق، دعا الاحتلال سكان غزة إلى التوجّه جنوبي القطاع وذلك بالتزامن مع إعلانه بدء العملية البرية، فيما طالب مسؤولون في الكيان بضرورة تهجيرهم إلى سيناء المصرية.
وكان المتحدّث باسم وزارة الصحة في غزة، أشرف القدرة، وصف العروض الإسرائيلية الخاصة بالتحرّك عبر الممرات الآمنة، بالمخادعة، مؤكّدا أنّها "ليست سوى ممرات الموت".
وأضاف أنّ الجثث ملقاة على الطريق منذ أيام، داعيا اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى مرافقة سيارات الإسعاف المحلية لانتشال الشهداء.
وتؤكّد شهادات النازحين ما صرّح به القدرة، إذ أوضحت شابة تدعى أمل -كانت جزءا من مجموعة مكوّنة من 17 شخصا قاموا بالفرار من شمال القطاع يوم الإثنين- أنّ الدبابات الإسرائيلية أطلقت النار بالقرب منهم.
وأضافت في تصريحات لـ"أسوشيتد برس" أنّ جنودا إسرائيليين أمروا الجميع برفع أيديهم والأعلام البيضاء قبل السماح لهم بالمرور، مضيفة أنّ بعض المواطنين تعرّضوا للاستهداف المباشر.
بدورها، وصلت الفلسطينية نور ناجي أبو ناصر (27 عاما) إلى مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، واصفة رحلتها التي استمرت لساعات، بأنّها "مخيفة للغاية".
وقالت نور في تصريحات صحفية: "لقد أطلقوا النار على الرمال من حولنا، أرادوا إخافتنا"، مضيفة أنّها شاهدت جثثا ملقاة على طول الطريق خارج مدينة غزة.
وأظهرت مقاطع فيديو زيف ادّعاءات الكيان بإقامة ممرات آمنة، إذ كشفت الصور استهداف طيران الاحتلال الإسرائيلي المهجّرين قسرا من منازلهم في شارع صلاح الدين الذي يصل شمال غزة بالجنوب.
وتأتي محاولة الاحتلال الإسرائيلي، إجبار أكبر عدد من سكان قطاع غزة على الهجرة الجماعية ضمن خطة إفراغ شمال غزة ووسطها، تمهيدا لاجتياح بري كبير بالتزامن مع استمراره في ارتكاب مجازر في حقّ المدنيين وسط صمت عربي ودولي مطبقين.