حل الدولتين بين الصلف الإسرائيلي ورخاوة البيت الأبيض
كتب: محمد نعيم
يخلو تجاوب إدارة جو بايدن مع رؤية حل الدولتين من أي مضمون، لاسيما عند استعراض رخاوة البيت الأبيض في التعاطي مع صلف اليمين الإسرائيلي المتطرف بقيادة بنيامين نتنياهو، سواء كان ذلك إزاء صفقة تبادل الأسرى مع حماس، أو تسوية إقليمية من أي نوع مع تل أبيب.
ورغم المؤشرات الإيجابية التي حملها اجتماع القاهرة بحضور مدير وكالة الاستخبارات المركزية الـCIA وليام بيرنز، ورئيس الموساد دافيد بارنيع، ورئيس جهاز الأمن العام الـ«شاباك» رونين بار، إلا أن نتنياهو بدَّد الآمال في حلحلة الأزمة بإصراره على الشروع في اجتياح رفح الفلسطينية، ولوم واشنطن على ما وصفه بـ«فرض إملاءات على إسرائيل».
يعلم نتنياهو وكذلك البيت الأبيض والأطراف العربية الضالعة في الوساطة مع حماس، أن غرض المفاوضات الراهنة تجاوز مرحلة التهدئة أو حتى تبادل الأسرى، وطال بلورة خطة لتصفية النزاع الفلسطيني – وربما العربي - الإسرائيلي عبر إعلان دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، لكن إدارة بايدن التي لا يشغلها سوى تحقيق إنجاز سياسي خاطف قبل انتخابات الرئاسة المرتقبة، تقف عاجزة أمام رد الفعل الإسرائيلي العنيف، الذي استدعى قيام وليام بيرنز بزيارة سرية إلى تل أبيب بعد دقائق من قرار نتنياهو منع وفد التفاوض الإسرائيلي من زيارة القاهرة مجددًا لاستئناف المباحثات.
وبينما يدرك رئيس وزراء إسرائيل خطورة جمود الموقف، يعجز في المقابل عن التلاقي في نقطة واحدة مع أعضاء ائتلافه المتطرف عند النظر في مسألة الدولة الفلسطينية المستقلة؛ ولعل ذلك كان واضحًا حين أخفى رئيس الوزراء الإسرائيلي عن فصيل الجنرالات (وزير الدفاع يوآف جالنت، ورئيس «معسكر الدولة» بيني جانتس، وعضو مجلس الحرب جادي أيزنكوت) قرار تجميد التفاوض في القاهرة. لكن مدير الـCIA فطن جيدًا إلى مأزق نتنياهو مع اليمين، فطار سريعًا إلى تل أبيب لاحتواء الوضع المتأزم، خاصة بعد خلافات حادة وصلت حد الشقاق بين المستويين السياسي والعسكري في تل أبيب.
ووسط ما يمكن وصفه بـ«لعبة الكراسي المتحركة»، لا يخفي على الداخل والخارج الإسرائيلي أن بايدن الساعي لتحقيق مكسب سياسي قبل الانتخابات المرتقبة، هو نفسه بنيامين نتنياهو الذي يسعى للمراوغة، والاحتفاظ في جعبته بكافة أوراق اللعبة؛ فبينما يضغط البيت الأبيض وخصوم نتنياهو في الداخل الإسرائيلي بورقة الأسرى، يضغط نتنياهو على واشنطن ووسطاء الصفقات مع حماس بتسخين قطاع غزة من بوابة اجتياح مدينة رفح الفلسطينية، بالإضافة إلى إشعال الجبهة الشمالية مع «حزب الله».
ما لا ينبغي تجاهله في واشنطن وتل أبيب، وكذلك لدى العواصم المعنية بالنزاع، هو أن نتنياهو الذي يخوض صراعًا على مستقبله السياسي لا يعيش ظروفًا تضاهي مناحم بيجن، الذي أبرم اتفاق سلام مع مصر وسط ظروف أكثر تعقيدًا؛ وأن «ليكود» الماضي لا يوجد له نظير في إسرائيل حاليًا؛ فالتخلي عن أدبيات العمل السياسي لصالح حسابات ضيقة، لايمكن التعويل عليه عند تحقيق إنجاز على مسار عملية سلمية.