


زياد الرحباني.. لم يعش يوما من اجل التصفيق
كتب: نرمين نبيل




لم يكن زياد فنانا عاديا بل كان مزيجا حادا من الغضب والفكاهة من التهكم والصدق من الحزن والرفض عاش طوال حياته الفنية والسياسية فى مواجهة مفتوحة مع الوجوه الزائفة والشعارات الكبيرة والمجتمعات التي تحترف الهروب من الحقيقة
فى نظر الناس هو موسيقي عبقري لكنه أيضا كان سياسيا مسرحيا مواطنا يكتب ليرتاح لا ليعجب
فلسطين خنجر في قلب زياد
لم يكن زياد يرفع شعارات القضية الفلسطينية لكنه كان يحملها بين السطور بين الجمل الساخرة فى مسرحياته وبين سطور مقالاته وفي نكتة تبدو عابرة لكنها تنزف غضبا لم يصفق لفصيل ولم يصف نفسه بمناضل لكنه كان يرى أن فلسطين ليست ورقة للزينة بل امتحان يومي للكرامة
فى مسرحه تحضر فلسطين كخلفية ثابتة وجع لا يريد أن يلتئم وطن مغتصب فى زمن السكوت
حبيب الناس الغلابة
زياد لم يكن منجذبا نحو الصفوة ولا باحثا عن النخب بل كان قريبا من الناس البسطاء من سائق التاكسى الذى يلعن الزحمة إلى عامل القهوة الذى يتقاضى أقل مما يستحق من الأرملة التى تصارع وحدها الحياة إلى الحلاق الذى يعرف تفاصيل البلد أكثر من المحلل السياسى، كان يرى في هؤلاء حقيقة الوطن وجوهر الحياة ومن أجلهم كتب ومن أجلهم غضب ومن أجلهم سخر من الجميع
زياد والموت
لم يكن زياد يخشى الموت بل كان يفهمه ويحاوره كان الموت عنده صديقا قديما يظهر فجأة في حديث أو عرض أو عزف لكنه لا يأتى فجأة لأنه دائما حاضر
خاف زياد من حياة تافهة أكثر من خوفه من نهاية صامتة لم يكن يريد أن يموت مثل الآخرين بل أن يعيش مختلفا حتى آخر لحظة، لكن المدهش أن النهاية لم تكن صامتة كما توقع البعض ففى جنازته لم يلتزم الناس الصمت كما جرت العادة بل صفقوا صفقوا طويلا وكأنهم يودعون خشبة المسرح لا خشبة النعش صفقوا لا من باب المجاملة بل من باب الاعتراف اعتراف بأن هذا الراحل لم يكن يمر كعابر سبيل بل كان صوت صادقا حتى فى الغياب كانوا يودعونه كما يستحق فنان لم يعش يوما من أجل التصفيق لكنه أخذه أخيرا وهو لا ينظر
هو ابن فيروز نعم لكنه ابن الشارع أيضا ابن الناس والجرح والموقف والفكرة التى لا تموت زياد لم يكن مجرد ملحن ولا فقط كاتب مسرحى ولا حتى فقط ابن عائلة رحبانية شهيرة بل كان حالة والحالة لا تشرح ولا تقلد ولا تتكرر.