وزير الأوقاف: الإفتاء المصرية تحظى بثقة كبيرة في مختلف دول العالم
كتب: موناليزا محمد
في إطار دور وزارة الأوقاف المصرية في نشر صحيح الدين وتفكيك الفكر المتطرف داخل مصر وخارجها وفي إطار التعاون بين وزارة الأوقاف ودار الإفتاء المصرية، ألقى أ.د محمد مختار جمعة وزير الأوقاف محاضرة بعنوان: "دور الدرس اللغوي في فهم النص الشرعي"، ضمن البرنامج التدريبي لمجموعة من علماء دار الإفتاء من دولة ماليزيا في دورة تدريبية لهم تعقد بدار الإفتاء المصرية في الفترة 5 إلى 17/ 9/ 2022م بمركز التدريب بدار الإفتاء المصرية.
وفي بداية اللقاء رحب أ.د شوقي علام مفتي الجمهورية بـ أ.د محمد مختار جمعة وزير الأوقاف مشيدًا بجهوده وجهود وزارة الأوقاف في نشر الفكر الوسطي، مؤكدًا أن وزير الأوقاف عالم جليل ولغوي بارع، حيث يجمع بين الشعر وعلوم اللغة، إلى جانب الإحاطة بمقاصد الشريعة، فقد أضاف إليها (حفظ الوطن) كأحد الكليات الست، مشيرًا إلى أن المقاصد التي قصدها الشرع لا تعمل بجدارة ولا تحقق المراد منها إلا إذا كان الوطن مستقرًا، كما لا يمكن فهم هذه المقاصد إلا بالرجوع إلى اللغة العربية.
وفي كلمته أعرب معالي أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف عن شكره لفضيلة أ.د/ شوقي علام مفتي الجمهورية ولدار الإفتاء المصرية على جهوده وما تبذله دار الإفتاء في خدمة الإسلام والمسلمين في شتى بقاع العالم، مؤكدًا أن فضيلة المفتي قامة وقيمة علمية وفقهية وإفتائية كبيرة، وأن دار الإفتاء المصرية تحظى بثقة كبيرة في مصر ومختلف دول العالم.
وخلال المحاضرة أكد وزير الأوقاف أن لغة القرآن الكريم تتميز بأن كل لفظة أو مفردة من مفرداتها قد وقعت موقعها، حيث يقتضي المقام ذكرها دون سواها أو مرادفها، فإذا جاءت الكلمة معرفة أو نكرة كان لاقتضاء المقام ذلك، وإذا جاءت مفردة أو جمعًا كان ذلك لغرض يقتضيه السياق، وقد يؤثِر النص القرآني كلمة على أخرى وهما بمعنى واحد، ويختار كلمة ويهمل مرادفها الذي يشترك معها في أصل الدلالة، وما كان للمتروك أن يقوم مقام المذكور أو يدانيه بلاغة لو ذكر مكانه.
ومن النماذج التي ذكرها: ما جاء في قوله تعالى عن السيدة مريم (عليها السلام): "وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ"، عبر القرآن بلفظ القانتين ولم يعبر بلفظ القانتات، ذلك أن خدمة بيت المقدس في ذلك الوقت لم تكن من العمل الذي تقوم به النساء ولم يُعهد إلى النساء، وكانت امرأة عمران نذرت إن رزقها الله بولد أن تجعله لخدمة بيت الله، فلما وضعت مريم قالت: "رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ"، كان القياس في غير القرآن أن نقول وليس الأنثى كالذكر، ولكن القرآن استخدم التشبيه المقلوب على حد تعبير البلاغيين، أي وليس الذكر الذي كنت تتمنين كالأنثى التي رزقتين بها فهي خير من كثير من الذكور، فلما قامت بخدمة بيت المقدس خير قيام كأفضل الرجال جاء التعبير بلفظ القانتين لأن ما قامت به كان عملاً عظيمًا لا يتحمله إلا الرجال.
كما ذكر نموذجًا آخر لبلاغة الكلمة القرآنية، وذلك في قوله تعالى: "وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ"، ويقول تعالى: "وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ"، فعند الحديث عن أهل جهنم جاءت كلمة "فُتِحَتْ" بدون واو، بينما جاءت في الحديث عن أهل الجنة "وَفُتِحَتْ" مسبوقة بالواو، قال بعض العلماء: إنها واو الحال، والمعنى: جاءوا الجنة والحال أنها مفتوحة أمامهم وهذا من إكرام الله تعالى لعباده المؤمنين، "جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَابُ"، أما أهل جهنم فيأخذهم العذاب بغتة، وقال بعضهم: إن هذه الواو واو الثمانية، ذلك أن بعض القبائل العربية كانت تقول العدد: واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة، خمسة، ستة، سبعة، وثمانية، فتأتي بالواو مع العدد الثامن، والقرآن الكريم نزل على سبعة أحرف، فنزل مراعيًا بعض لهجات القبائل، ولهذا نظائر منها : قوله تعالى: "سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ" بدون واو في الموضعين: "وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ"، فجاءت الواو مع العدد الثامن على لهجة من يأتي بالواو مع العدد الثامن، ومنها: قوله تعالى في سورة التوبة: "التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ"، فجاءت الواو مع العدد الثامن، ومنها قوله تعالى في سورة التحريم: "عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا"، فذكرت الواو أيضًا مع العدد الثامن، وهي مع هذا تفيد التنويع؛ لأن النساء إما ثيباتٍ وإما أبكارًا، ولا مانع أن تفيد التنويع مع واو الثمانية أيضًا.
وفي ختام المحاضرة أكد وزير الأوقاف أن إتقان العربية أحد أهم شروط المفتي والمجتهد والمفسر، فهي أداة فهم النص الشرعي، مشيرًا إلى أن وزارة الأوقاف أصدرت كتاب: "أساسيات اللغة العربية للكتاب والمتحدثين"، يضم القواعد الأساسية اللازمة لفهم اللغة العربية، بأسلوب سهل ميسر.
وقد تم إهداء نسخة من كتاب "أساسيات اللغة العربية للكتاب والمتحدثين"، وكتاب "الكمال والجمال في القرآن الكريم" لعلماء دور الإفتاء بدولة ماليزيا الدارسين بدورة دار الإفتاء المصرية لهم في نهاية المحاضرة.