«مراجعات وترشيحات» الكتب على السوشيال ميديا.. انتعاشة ثقافية أم «دعاية مدفوعة»؟
كتب: عرفة محمد أحمد
وسط حالة «الضجيج» والانتشار السريع لاستخدام التطبيقات التكنولوجية الحديثة، وجدت الكتب والأعمال الأدبية طريقها إلى منصات «السوشيال ميديا» عبر المراجعات (الريفيوهات) والترشيحات التي يكتبها قُراء على المجموعات الثقافية أو حتى الصفحات الاجتماعية الخاصة بهم، حتى صارت تلك الظاهرة الثقافية لافتةً للنظر، بل وساهمت في «صعود» مبيعات عددٍ من المؤلفات.
تعاظم تلك الظاهرة على «المجموعات الثقافية» والصفحات الخاصة كان سبباً في ظهور آراء جدليةً تتحدث عن «أُفول» زمن الناقد الأكاديمي، وحضور القارئ (العادي والمحترف معاً) في المتابعة المستمرة للإصدارات الحديثة من الروايات والكتب والمجموعة القصصية، والكتابة عنها على «السوشيال ميديا».
كما تجد تلك المراجعات والترشيحات اهتماماً كبيراً من قبل الكُتَّاب والروائيين، ويظهر هذا الاهتمام في «الاحتفاء الكبير» من هؤلاء المؤلفين بتلك «المراجعات»، وإعادة مشاركتها على حساباتهم الرسمية.
لكن على الرغم من النقاط الإيجابية لهذه الظاهرة الثقافية، إلاَّ أنها لم تسلم أحياناً من الاتهامات الخاصة بـ«مجاملة مؤلفين محددين»، أو الترويج لكتب وروايات دور نشرٍ معينةٍ تقف وراء عددٍ من الجروبات الثقافية، بل ووصلت تلك الاتهامات إلى حصول أصحاب قنوات «يوتيوب» المتخصصة في عرض الكتب، على أموالٍ مقابل العروض التي تقدمها.
تحدَّث موقع «العاصمة» إلى «4» كُتابٍ لتحليل الظاهرة الخاصة بـ«المراجعات والترشيحات» الخاصة بالكتب، لكشف أسرار تلك الظاهرة التي يتعاظم دورها يوماً بعد يومٍ.
انشغال الناقد الأكاديمي بـ«لقمة العيش»
يرى الروائي خالد إسماعيل، أنَّ انتشار المراجعات (ريفيوهات) على السوشيال ميديا، نتيجة طبيعية لسهولة الوسيلة؛ ليس مطلوباً منك سوى امتلاك «كمبيوتر» أو تليفون لتحاكم العالم، وتبدي رأيك في كل شىء.
ويُعد «إسماعيل» من أبرز روائيي جيل التسعينيات، ويركز في مشروعه الأدبي على «حياة الصعيد والمهمشين فيها»، وأصدر عددًا كبيرًا من الروايات التي دارت حول هذا العالم، منها: «العباية السوداء»، «زهرة البستان»، «أرض النبي»، «قهوة الصحافة»، «عرق الصبا»، «أوراق الجارح»، فضلًا عن مجموعاته القصصية مثل: «مقتل بخيتة القصاصة» و«درب النصارى»، ويُعد كتاب «حكايات وشخصيات في السياسة والثقافة والتاريخ» أحدث إصداراته.
يُضيف «إسماعيل» في حديثه لـ«العاصمة» عن مراجعات الكتب والترشيحات: «ولكن المصداقية أو الأهمية تكون مرتبطةً بتاريخ مَنْ يكتب ويُراجع ويُقدم وجهة نظرٍ فى روايةٍ أو كتابٍ فكري ووزنه الثقافي، والمؤسف أن النقد الأكاديمي فقد مصداقيته منذ سنواتٍ؛ فالناقد الجامعي حامل الدكتوراه والأستاذية انشغل بلقمة العيش، وصار يبحث عن عملٍ يضمن له المال الذي يمكنه من تحقيق استقرار عائلي، فلم يعد محل تقدير المبدعين».
رأس «المال الأسود» يقتحم سوق النشر
ينتقد صاحب رواية «أوراق الجارح» العملية النقدية حالياً، موضحاً: «تحول مفهوم (الفرز النقدي) إلى (عمل دعائي)؛ فبدلاً من البحث عن القيمة، صار البحث يدور فى دائرة الجماهيرية والانتشار، وهذا مصدره رأس المال الأسود الذي اقتحم مجال النشر، فصار نشر الكتب مجالاً من مجالات تبييض الأموال، وصار البيع والشراء هو الهدف النهائي لهؤلاء، لا يهمهم إعلاء قيمة أو الدفاع عن مضمون ثقافي راقٍ.
ويستكمل: «المناخ الذي أشاعه هذا المال الأسود جعل القاعدة لدى المبدعين هى الانتشار، وليس تقديم المضمون الراقي أو الذي يمثل إضافةً لثقافة المجتمع ووجدان أفراده، وبالطبع هناك (جروبات) موجهة لخدمة كتبٍ محددةٍ ومضمونٍ محدد يخدم رأس المال الذي هو غالباً لا يمتلك التوجه الوطني».
يضيف: «هو استثمار، يبحث أصحابه عن الربح، ومن وسائل تحقيق الربح، عمل دعاية تجتذب الزبون أو المستهلك، وهذا الزبون أو المستهلك ليس هو القارىء الذى عرفناه فى زمنٍ مضى».
الريفيوهات والمراجعات عمرها قصير
ويرى «إسماعيل» أنَّ «الريفيوهات والجروبات والدعاية» عمرها قصير، وكل هذا «الضجيج» يستغرق عدة أيامٍ أو حتى أسابيع وينتهى وينساه الناس، والكتاب الذي يحمل قيمةً حقيقيةً يبقى ويعيش، والدليل أن عشرات الكتب والروايات التي تم الترويج لها بطريقة «ريفيوهات وجروبات موجهة» انتهت وسقطت من الذاكرة رغم حصولها على جوائز مالية ضخمة.
وتابع: «على الجانب الآخر ما زلنا رغم كل هذه (الهيصة) نقرأ أعمال يحيى حقى ونجيب محفوظ وعبد الوهاب الأسواني ويحيى الطاهر».
هل يهتم الروائي خالد إسماعيل بـ«الريفيوهات» التي تُكتب وتُنشر عن أعماله، أسأله ويُجيب: «سعادتي تكمن في ريفيوهات يكتبها مبدعون أثق فيهم ونقاد لهم تاريخ نقدى محترم، وتسعدني انطباعات القارىء العادي الذي لا يعرفني ولا أعرفه، ودائما أراهن على أن كل ماله قيمة تنفع الناس سوف يبقى وأن الحقيقى والصادق أقوى من زيف الجروبات و الريفيوهات مدفوعة الأجر».
المراجعات والترشيحات.. ظاهرة إيجابية ولكن…
في تحليله لظاهرة مراجعات الكتب والأعمال الأدبية على «السوشيال ميديا»، يقول الروائي محمد بركة، إنَّ تلك الظاهرة تُشبه ما حدث مع «ثورة 25 يناير» التي بدأت نبيلةً، بريئة الأهداف ومنزهةً عن الغرض، ولكن جرى اختطافها من قبل بعض الأشرار.
ويُعد الروائي محمد بركة من كُتَّاب التسعينيات، وأصدر عدة أعمالٍ أدبيةٍ وفكريةٍ من بينها روايات: «الفضيحة الإيطالية»، «أشباح بروكسل»، «عشيقات الطفولة»، «حانة الست» التي أحدثت جدلاً كبيرًا وقت صدورها، فضلًا عن كتبه المتنوعة ومجموعاته القصصية.
ويُضيف صاحب الرواية المثيرة للجدل «حانت الست» في تصريحاتٍ لـ«العاصمة»، أنَّ فكرة مراجعات الكتب والروايات نبيلةٌ وظاهرة جديدة وإيجابية، مشيراً إلى أنها من ضمن الظواهر التي أنعشت سوق القراءة، وفتحت أفاقاً جديدةً للمشهد الثقافي.
خريطة المتحكمين في ظهور المراجعات و الترشيحات
يتفق «بركة» مع الروائي خالد إسماعيل في الجزئية الخاصة بتوجيه «الجروبات الثقافية»، ويقول إنَّ الظاهرة اُختطفت من قبل أطرافٍ متعددةٍ يمكن تقسيمها إلى «3» أطراف هي: بعض الكتاب الذين يعتمدون في انتشارهم على «السوشيال ميديا»، والذين صنعوا أساطير زائفةً، وقصص وهميةً عن نجاحهم من خلال تكوين «لوبي» مصنوع يدعمهم.
لافتاً إلى أنَّ تلك النوعية من الكُتَّاب تُجند أشخاصاً أو قراءً لكتابة المراجعات عن أعمالهم، ونشرها على الصفحات الشخصية أو المجموعات الثقافية.
وأضاف: «النوع الثاني: بعض دور النشر التي تمتلك نفوذاً، وتعمل على توجيه تلك المراجعات لصالح الإصدارات الخاصة بها، فضلاً عن أنَّها تعمل على (تلميع) كُتَّاب بعينهم».
وتابع: «الطرف الثالث يُمكن تسميته (القارئ المتطوع بسذاجةٍ) وهو ذلك الذي يُجامل كاتباً أو دار النشر، دون توجيه».
مديح وطنطَّنة وتطبيل
ويرى «بركة» أنَّ مراجعات الكتب والروايات لا تأخذ الشكل المكتوب والمنشور على «السوشيال ميديا» فقط؛ ولكن هناك «ظاهرة اليوتيوبر» الذي يقدمون مقاطع فيديو عن الكتب والأعمال الأدبية، مشيرا إلى أن هذا العالم مقسم إلى فئةٍ موجهة لغرضٍ ما، وفئة ثانية «متطوعة».
ويتابع: «تحولت مراجعات الكتب المكتوبة والمرئية من ظاهرةٍ نبيلةٍ إيجابيةٍ تُنعش المناخ العام للقراءة، إلى شيء في أحسن الأحوال، ننظر إليه بكثيرٍ من الشك والريبة، وإذا دققت في هذه المراجعات، ستجد نوعاً من المديح والطنطَّنة والتطبيل، ونادرا ما تجد مراجعةً موضوعيةً».
ويختم: «حتى لا نسقط في فخ التعميم، فهناك نسبة من 10 إلى 15 % من تلك المراجعات، موضوعية وهي التي تمضي دون أجندةٍ، ولكن التيار العام السائد لهذه الظاهرة (مشبوه) يتبنى أجندةً ما، وصاحب غرضٍ».
العلاقة بين الأدب و«التسويق»
من ناحيته، يقول الروائي شهاب عبد الله، إنَّ القراءة كتجربة كانت دائماً الأكثر ثراءً بالنسبة له، والكتابة أتت في ما بعد، وكقارئ، كان أحيانا يكتب مراجعاتٍ، ويقدم ترشيحات الكتب التي يحبّها ويفضّلها.
وشهاب عبد الله كاتب تونسي شاب، أصدر روايته الأولى «باراديسيوس» عام 2019، تلتها «مذكّرات الرجل الآخر» (2021)، وتعد «مشروع النوم» أحدث أعماله الروائية.
ويرى «عبد الله» أنَّ «المراجعات والريفيوهات»، مهمة وجوهرية، إذا ما أردنا الحديث عن الجانب التسويقي والترويجي للأدب؛ متابعاً: «الأدب ليس عالماً مغلقاً على ذاته كما يُعتَّقد، بل هو عالم قائم أصلاً على التفاعل والتأثّر والتأثير».
ويربط صاحب رواية «مشروع النوم» بين الأدب وأهمية التسويق له، بموقف تعرض له قبل أيامٍ، عندما كان يُعيد قراءة رواية «لعبة العروش» التي ترجمها المترجم المصري هشام فهمي.
ويوضح أكثر أنه قرأ في مقدّمة الكتاب الأول كلاماً يندرج ضمن هذا السياق، إذ يقول: «على الرغم من أنّ لعبة العروش لم تحقّق بمجرد نشرها النجاح الباهر الذي نعرفه اليوم، إلا أنها وجدت تشجيعا لا شكّ فيه من باعة الكتب المستقلّين، الذين رشّحوها لزبائنهم والذين رشّحوها بدورهم لأصدقائهم».
صنع مجتمعاتٍ للقراءة والنقاش وتبادل الآراء
ويتابع: «إذن، فهذه المراجعات والترشيحات ليست شيئاً دخيلاً بل هي تعمل من خارج العملية الإبداعية، لتعرّف بالأعمال وبالكتّاب، وتدفع بالقوى الحيّة التي تقرأ إلى صنع مجتمعاتٍ للقراءة والنقاش وتبادل الآراء، كلّ حسب توجّهاته وذائقته وتفضيلاته. الأمر يساعد فعليّا وهذا قد لمسناه ولا يمكن إنكاره».
هل يهتم الروائي شهاب عبد الله بـ«الريفيوهات» التي يكتبها القراء عن أعماله على «السوشيال ميديا»، يقول: «ككاتبٍ أسعى دائماً عند إصدار كتابٍ جديدٍ إلى معرفة آراء القراء… وما أعرفه شخصياً، من خلال التجربة والمراقبة، هو أنّ المراجعات الأولى دائماً ما تكون الأهمّ تقريباً».
يوضح: «يحصل قرّاء على كتابك ويقرؤونه ثمّ يجتمعون عبر منصات مثل زووم أو فيسبوك لمناقشته. يشاهد هذا النقاش العشرات وأحياناً المئات.. هنا، يقوم هؤلاء القراء بإسداء المجتمع الأدبي خدمةً كبيرةً، من خلال الكلام عن الأدب والإشارة إلى الكتّاب».
يعترف «عبد الله» بمسألة الترويج لبعض العناوين والأسماء سواء كان ذلك بالعمل مباشرةً مع دور نشرٍ أو عن طريق القيام به بطريقةٍ عفويةٍ.
ولكن، يختم «عبد الله» حديثه بأنه يوجد أيضاً مستقلّون لديهم معاييرهم الخاصة في اختيار وانتخاب الكتب، مشيراً إلى أنه بصفته كاتباً، فإنه يثق دائماً في آراء هؤلاء.
زمن القارىء العادي
ويقول طاهر عبد الرحمن مؤلف كتاب «حكايات من الأرشيف»، إنَّ مراجعات الكتب مهمة جدا ومفيدة لأي كاتبٍ، معللاً ذلك بأننا في «زمن القارىء العادي».
ويُضيف «عبد الرحمن» في تصريحٍ لـ«العاصمة» أنه يهتم بـ«الريفيوهات» التي نشرت عن كتابه «حكايات من الأرشيف» سواء كانت تلك الروايات: «سلبيةً أو إيجابيةً»؛ لأنها دليل ومؤشر على اتجاهات القراءة والقراء.
ويؤكد أنَّ هناك مجموعاتٍ ثقافيةً تهتم بتوجيه القارىء لأعمالٍ محددةٍ لدور نشر محددةٍ، مشيرا إلى أن هذا الأمر «مقبولٌ» ولكن في حدود.