لا أحد يرد.. الخطوط الساخنة لـ وزارة الصحة إما مشغولة أو توجه لأماكن خدمة غير مفعلة
كتب: رحاب جمعة
ظلت تحاول عبير أحمد، فتاة في العقد الثاني من عمرها تعمل في أحد المطاعم المعروفة، الاتصال بالخط الساخن للحالات الحرجة «137» عشرات المرات، إثر رفض مستشفيات عدّة استقبال والدها الأربعيني الذي يعاني من ضيق في التنفس، تسمع عبير صوت الرد الآلي وتتبع الخطوات وتنتظر أي فرد من الوزارة ينجدها، لكنّ لا أحد يرد.
تحكي عبير: «فضلنا حوالي 6 ساعات نحاول نكلمهم من تليفونات مختلفة مبيردوش، وطول الفترة دي كل مستشفى تحدفنا على مستشفى، لحد ما وصلنا معهد القلب».
«137»، هو الخط الساخن المخصص من وزارة الصحة والسكان للحالات الحرجة، ومعني بالاستفسار عن الرعايات المركزة، والحضانات ورعايات الحروق، ودواء فيروس سي الجديد، والعلاج على نفقة الدولة، وأكياس الدم ومشتقاته.
موقع «العاصمة» حاول الاتصال بالخط على مدار يومين في أوقات مختلفة لم يرد أحد إلا مرة واحدة بعد تكرار 4 مرات، ولم يتعد وقت المكالمة 5 ثواني وأغلق الخط بعدها، هنا يبرر حسام عبد الغفار المتحدث الرسمي لوزارة الصحة والسكان، عدم الرد، بسبب الضغط على الخطوط، مستدركًا أن الفترة الأخيرة حققت الخطوط الساخنة طفرة في مساعدة المواطنين.
بجانب الخط 137 يعد «105» الخط الأشهر على الإطلاق خاصة في فترة انتشار فيروس كورونا، للإجابة عن أي استفسارات بشأن الوباء، ولخدمات قطاع الطب الوقائي، والإبلاغ عن الأغذية الفاسدة، وعن أي مرض معد مثل تلوث الهواء، والسؤال عن الأمصال والتطعيمات، الإبلاغ عن أي مشكلة في إصدار تصاريح الدفن وشهادات الميلاد، لكن منى محمد، في العقد الثالث من عمرها، وأم لطفل واحد، تركت لأجله عملها في أحد المصانع بالعجمي بمحافظة الإسكندرية، كلما تتصل للاستفسار عن مواعيد تطعيمات ابنها أو أي تطعيمات إضافية لا يجيبها أحد.
اتصل «العاصمة» بـ «105»، فأجاب الرد الآلي عن الاستفسار "السؤال عن فيروس سي اضغط 1، وللخدمات الأخرى اضغط 2، وللتحدث مع أحد أساتذة الطب المصري اضغط 3 وللمقترحات والشكاوي اضغط 4".
اتصلنا 4 مرات، الأولى في تمام الساعة 11.30 الظهر، وضغطنا على رقم 2 للتحدث لأحد أساتذة الطب لكن الخط أغلق على الفور، وفي المرة الثانية في الساعة الواحدة ظهرًا ضغطنا رقم 1 للاستفسار عن فيروس كورونا وانقطع الاتصال أيضًا، وفي المرة الثالثة في الخامسة عصرًا والرابعة في الثامنة مساءً لم يختلف الوضع عن ذي قبل.
ما جرى يتناقض مع "التميز" الذي أحاطت به الوزارة الخط 105، والذي خصصت له 500 موظف من ذوي الخبرات، للإجابة عن استفسارات المواطنين في مختلف الأوقات"، بحسب إعلان عمرو قنديل مساعد وزير الصحة لشؤون الطب الوقائي فبراير 2022، وبالسؤال عن عدد المخصصين للرد على اتصالات المواطنين حاليًا، رفض المتحدث الرسمي وقال: «ده شيء مش مهم إننا نعلنه».
خدمات متوقفة
ليست كل المكالمات مصيرها عدم الرد، لكن الإجابة أحيانًا تأتي بما لا يحتاجه السائل بتقديم خدمات أخرى غير المطلوبة، مثل ما حدث مع الحاجة بدر الصباح امرأة سبعينية من ساكني المنيب بمحافظة الجيزة فتقول ابنتها ربة منزل وأم لثلاث أطفال، إنها اتصلت بالخط الساخن 16474 المخصص للحالات الحرجة، وأكدت حاجتها لرعاية مركزة، "بس بعتونا لطوارئ مستشفى أم المصريين وسابونا".
وردة ابنة الحاجة بدر الصباح تقول لـ«العاصمة»: «موفروش لينا رعاية مركزة، وأمي مرمية على كرسي في المستشفى اللي قريبة من البيت، وهذا الأمر اتضح أنه يتكرر باستمرار من ذلك الخط مع المستشفى، فالمسعف الذي نقل والدتها دخل في مشاداة مع ممرضة بالمستشفى بعد أن أعلنت له أي حالة تدخل المستشفى من جهة الخط يتركوها في الطوارئ».
في 19 ديسمبر الماضي، وقعت الوزارة بروتوكول تعاون مع الإدارة المركزية للرعاية الحرجة والعاجلة بالوزارة، لتعزيز الخدمات المقدمة لمرضى الذبحة الصدرية، ضمن منظومة المشروع القومي للرعايات والحضانات والطوارئ، تحت شعار «في كل ثانية حياة»، وأعلن وقتها حلمي عبد الرحمن، رئيس الرعاية المركزية للرعاية الحرجة والعاجلة تخصيص خط ساخن للحالات الحرجة 16474.
على الرغم من أن مهمة الخط الساخن توفير رعاية للحالات الحرجة، فإن بدر الصباح ظلت في الطوارئ حتى نقلها أولادها لمستشفى الدمرداش بعد أن يأسوا من رد الخط الساخن، ولجأوا إلى "وسايط" فخضعت بدر لجراحة عاجلة في اليوم نفسه بسبب التأخر في إسعافها.
لم يختلف الوضع في الخط الساخن للمساعدة للإقلاع عن التدخين 16328، والخط الخاص بالاستشارات النفسية 15335، فموظفو الاستقبال يردون ثم يوجهون المرضى للحصول على الخدمة من أقرب مستشفى، وهناك قد لا تقدم الخدمة على أكمل وجه كما أكدت لنا نعيمة محمد والدة إحدى الحالات التي تعالج من الإدمان، وتأتي به من مدينة البدرشين بالجيزة وقالت إن مستشفى العباسية للصحة النفسية لا جدوى منه، فعلاج الإدمان هناك عبارة عن مسكن ومنوم وفي حالة احتياج المريض لتحليل المخدرات يتحصلون على 500 جنيه.
من جهته، يقول عماد مشالي، مدير مستشفى الصحة النفسية بالعباسية، عن العلاج، إن كل طبيب أدرى بالعلاج الأنسب للحالة، أما عند سؤاله عن دفع المريض سعر تحليل المخدرات، امتنع عن الرد وقال: «علشان أرد لازم موافقة إعلامية»، أي تصريح من وزارة الصحة بالحديث لوسائل الإعلام.
في المقابل، أوضح مصدر مسؤول بالمكتب الإعلامي في الوزارة، أن الخطوط الساخنة تقدم خدمات عدّة، لكن الموظفين العاملين بعضهم غير مؤهل، بجانب إمكانيات الدولة الاقتصادية بسبب اﻷزمة الدولارية، وعدم وجود أماكن شاغرة في الرعايات والحضانات.
لا توجد خدمة
ومن جهة أخرى، توضح مشاكل الخطوط الساخنة لوزارة الصحة، تحكي آمال عبدالنعيم، ربة منزل وأم لـ3 أطفال، تسكن بالعمرانية في محافظة الجيزة، أن الخط الساخن 15335 لحملة 100 يوم صحة لا يقدم الخدمات التي يروج لها على التليفزيون وعلى صفحات السوشيال ميديا الخاصة بالوزارة، وتبين ذلك لها عندما اتصلت بالخط لطلب زيارة منزلية لوالدتها ولكن ردوا عليها "المبادرة لا يوجد بها زيارة منزلية..روحي أقرب وحدة صحية بوالدتك وهيكشفوا عليها".
ورد الموظفين في الخط الساخن مخالف لما جاء ببيانات الوزارة، فوفقًا لتقاريرها عن الإنجازات اليومية، يؤكد البيان أنه للاستفادة من خدمات الحملة و طلب زيارات منزلية للمرضى من المسنين، وغير القادرين على الحركة الاتصال بالخط الساخن، لذلك جربنا الاتصال لطلب زيارة منزلية للحالة نفسها، وجاء الرد كالرد السابق لابنتها بأن الحملة لا يوجد بها زيارات منزلية وعندما سألناها كيف غير موجودة والبيانات الصادرة من الوزارة تؤكد عكس ذلك، فقالت "ممكن أسجلك طلب في مبادرة المسنين وخلال 72 ساعة الدكتور هيجي".
وكان من المفترض أن تنتهي المكالمة ولكن سألناها عن الخطوات التي نقوم بها حال عدم وجود أي اتصال بنا بعد مرور 72 ساعة، فقالت "إن شاء الله هيتصلوا..ولو متصلوش اتصلي بينا تاني وهنعملك شكوى ورقم الطلب كان 6752073"، وقبل إنهاء المكالمة ظلت تتحدث عن الخدمات والإنجازات الخاصة بحملة 100 يوم صحة.
مر أكثر من 72 ساعة ولم يتصل أحد فكررنا الاتصال بهم وجاء الرد: "هنقدملك شكوى ولكن بلا فائدة في النهاية أيضًا رغم أن التقارير اليومية لإنجازات مبادرة 100 يوم صحة بلغت الزيارات العارضة والمتكررة ضمن الحملة من يومها الأول في 25 يونيو حتى اليوم الـ 91 في الحملة الموافق 25 سبتمبر 2 مليون و588 ألف و30 زيارة.
ومن بين شكاوي المواطنين للخط الساخن قال لنا عثمان محمد، معد في أحد البرامج، من سكان المعادي، أن الخط الساخن للمقبلين على الزواج 15335 لم يقدم لهم الخدمة، حيث أن الخط مخصص للرد على تساؤلات المقبلين على الزواج عن الفحوصات التي يجروها، قال إنه اتصل بهم لتقديم شكوى عن خط حلوان والمعادي لأنه يرفض اعطاء الشهادات المطبوعة لهم بحجة انتهائها، وكان ردهم "روحوا مكتب تاني". ذلك بالرغم من وجود 350 ألف شهادة مطبوعة موجودة بالمخازن مثلما أكد المتحدث الرسمي للوزارة الدكتور حسام عبدالغفار لـالعاصمة.
تواصلنا مع الخط وجاء ردهم مثلما ردوا على عثمان: «هنوجهكم لمكتب صحة تاني ولو رفضوا يقدموا الخدمة اتصلوا بينا تاني»، وقاموا بإعطائنا عنوان الوحدة الأخرى القريبة من المنزل.
وبمواجهة الدكتور حسام عبد الغفار المتحدث الرسمي لوزارة الصحة والذي لم يختلف رده كثيرا حيث قال: "الوحدة اللي عملت كده العاملين فيها بيتكاسلوا وهنعاقبهم".
فارق والدي الحياة ومازال الخط الساخن لا يرد، تقول عبير: إنها ظلت تجرب الإتصال بالخط الساخن 137 حتى بعد وصولها لمعهد القلب بسبب زحمة الطوارئ وعدم استقباله ولكن لا أحد يجيب حتى مات والدها وقال حينها الطبيب أن السكتة القلبية هي التي جعلته يفارق الحياة.
أقرأ أيضًـــــــــــــــــا:


