


آثار الحكيم نوارة هذا الجيل
كتب: حسن عيسى




ربما لم تكن آثار الحكيم الأكثر موهبة أو جمالًا بين نجمات جيلها، لكنها كانت نوارة ذلك الجيل، والأكثر حضورًا وتوهجًا على الشاشة بلا افتعال أو تصنّع. ظهرت كنموذج عصري لـ”سندريلا ما بعد مرحلة زوزو”، بملامح بريئة وتلقائية لافتة، وملابس بسيطة بعيدة عن الإغراء والابتذال. جمعت بين طلة أقرب إلى أناقة الفتاة اللبنانية، ومرح البنت المصرية العادية، فدخلت قلوب الجمهور سريعًا، وتحولت إلى فتاة أحلام الثمانينيات والتسعينيات بضحكتها الطفولية، وشعرها الطويل المنسدل، وخصرها النحيف، وحضورها الرقيق.
آثار الحكيم لم تكن مشروع نجمة بالمعنى التقليدي، بل كانت أقرب إلى شخصية تدخل الكاميرا إليها لا العكس. تلقائيتها لم تكن أسلوبًا فنيًا متعمدًا، بل جزءًا أصيلًا من طبيعتها. ولهذا أحبها الجمهور سريعًا؛ لأنها لم تحاول أن تصنع صورة لنفسها، بل بدت وكأنها تنقل حياتها اليومية إلى الشاشة: البسمة التي تسبق الكلام، النظرة التي تحمل براءة وفضول، وحتى ارتباكها في بعض المشاهد بدا امتدادًا لصدقها.
لكن هذه المزايا كانت سلاحًا ذا حدين. فكما صنعت توهجها، كانت سبب عثرتها لاحقًا. فالشاشة لا تحتمل البساطة والبراءة إلى الأبد. ومع مرور الزمن، وجدت نفسها مطالبة بأن تعيد تشكيل صورتها، وأن تواكب الأدوار الأكثر صرامة وتعقيدًا، وهو ما لم تكن مستعدة له. فهي بطبعها ابنة الحساسية الزائدة، لا ابنة الصراع. لم تملك القشرة الصلبة التي تحمي الفنان من قسوة المهنة، وكل أزمة شخصية مرت بها انعكست مباشرة على فنها وخياراتها.
الخلط بين حياتها الخاصة وفنها كان أحد أسرار تميّزها وأيضًا أحد أسباب تعثرها. فعلى عكس كثير من أبناء جيلها ممن عرفوا كيف يفصلون بين الخاص والعام، ظلت آثار شفافة أمام الكاميرا. لحظات السعادة عندها كانت تظهر خفة وحيوية على الشاشة، بينما أحزانها تركت أثرًا واضحًا وثِقَلاً على الأداء. هذا الصدق جعلها قريبة من قلوب الناس، لكنه في الوقت نفسه كشف هشاشتها أمام قسوة الوسط الفني.
توهجت سريعًا في أدوار البراءة والرومانسية التي كانت مرآة لطبيعتها، لكنها تعثرت حين حاولت الخروج من هذه الصورة. الجمهور اعتاد أن يراها في شكل معين، وعندما غامرت بأدوار مختلفة لم تجد الدعم الكافي من النقد أو الصناعة. بدت وكأنها عالقة بين ملامح الفتاة الطفولية القديمة وصورة أكثر نضجًا لم تنجح في ترسيخها بالقدر نفسه.
آثار الحكيم لم تكن ممثلة “مقاتلة” بالمعنى التقليدي. لم تناور، لم تساوم، لم تدخل اللعبة حتى آخرها. فضّلت الانسحاب لأسبابها الخاصة، وربما لأنها لم ترَ في نفسها مشروعًا ممتدًا، بقدر ما كانت انعكاسًا صادقًا لمرحلة عاشتها ثم تركتها خلفها. ولهذا بقيت في ذاكرة الناس لا كنجمة عملاقة ملأت الساحة، بل كوجه صادق أضاء فترة ثم غاب. كزهرة برية أشرقت سريعًا، وتمكنت من قلوب المصريين، ثم توارت في صمت رقيق، كما لو أنها عادت إلى حياتها العادية بعيدًا عن الأضواء، تاركة أثرًا لا يُمحى