محمّد المنصور.. ذاكرة الهدوء وصوت الفن النبيل
كتب: مايا إبراهيم
حين يطلّ محمّد المنصور، لا يملأ المشهد حضورًا فحسب، بل يملأه طمأنينة. هو من أولئك الفنانين الذين لا يحتاجون إلى صخبٍ ليُثبتوا بقاءهم، يكفي أن ينطق جملة واحدة حتى تشعر أن الخبرة تتكلّم، وأن وراء الكلمة عمرًا من الصدق والتجربة.
منذ الستينيات، حين كانت الدراما الكويتية تتلمّس خطواتها الأولى، كان المنصور هناك؛ يشارك في صناعة الذاكرة لا في استهلاكها. ومنذ ذلك الحين، لم يتبدّل جوهره: فنان يختار أدواره بعقل المثقّف، ويؤدّيها بقلب الإنسان.
نشأ في بيتٍ امتلأ بالفنّ والنغمة، من الراحل منصور المنصور إلى الراحل عبد العزيز المنصور، وعيسى وحسين المنصور، فكانت العائلة بأكملها أشبه بمدرسة تُخرّج الإحساس والانضباط. لكن محمّد، رغم كلّ هذا الإرث، لم يكن ظلًّا لأحد، بل ضوءًا لنفسه. رسم طريقه بخطّ متأنٍّ وواثق، حتى صار اسمه مرادفًا للرصانة والأصالة.
يملك المنصور سرًّا نادرًا في الأداء؛ مزيج من الاتزان والدفء. في حضوره شيء يشبه الموسيقى الهادئة التي تتسلّل ولا تقتحم. نظراته تقول ما تعجز عنه الحوارات، وصمته يحمل ثقلَ المعنى أكثر من أي جملة مكتوبة. لذلك أحبّه الناس كما أحبّوا شخصياته، ورأوا فيه الوجه الصادق للفنّ الذي لا يتكلّف.
ما يميّزه أنّه لم يسعَ يومًا وراء نجومية سريعة، بل نحو بصمة لا تزول. كان يعرف أنّ الدور العظيم لا يقاس بحجمه على الورق، بل بما يتركه في الذاكرة. ومع كلّ عمل جديد، ظلّ وفيًّا للفكرة الأولى التي آمن بها: أن الفنّ مسؤولية، وأن الممثّل الحقيقي لا يتقمّص الشخصيات فقط، بل يمنحها شيئًا من روحه لتبقى حيّة فينا.
هكذا، بقي محمّد المنصور رفيقًا للزمن الجميل، وشاهدًا على تحوّل الدراما الخليجية من البساطة إلى العمق. في كلّ تفصيلةٍ منه، يختبئ احترامٌ كبير للفنّ، وللجمهور، وللرحلة نفسها.
هو ممثّل لا يشيخ، لأنّ صدقه لا يشيخ.
وصوتٌ لا يُنسى، لأنّه قادم من مكانٍ أعمق من الذاكرة… من القلب ذاته.
الإعلامية مايا إبراهيم


