«لا تهميش بعد المسابقات».. كيف صارت الجوائز الأدبية «تأشيرة نجومية» الشباب في عالم الرواية؟
كتب: عرفة محمد أحمد
خلال الأعوام القليلة الماضية، ظهرت مسابقاتٌ أدبيةٌ مصريةٌ كانت سبباً رئيساً في ظهور «أقلامٍ شابةٍ» بدأت تشق طريقها بأقدامٍ ثابتةٍ في عالم الرواية؛ ووجدت أعمال هؤلاء احتفاءً نقدياً وصحفياً، وتقديراً كبيراً من دور النشر المعروفة.
ومن هذه المسابقات التي صارت تحظى بالتقدير والمتابعة، مسابقة الروائي الكبير خيري شلبي للعمل الروائي الأول، جائزة يحيى الطاهر عبد الله لشباب المبدعين في مجال القصة القصيرة، مسابقة إحسان عبد القدوس فى الرواية.
نرشح لك: «مراجعات وترشيحات» الكتب على السوشيال ميديا.. انتعاشة ثقافية أم «دعاية مدفوعة»؟
جائزة خيري شلبي تقدم أسماءً جديدةً في عالم الرواية
وكلها مسابقات تدفع بأسماءٍ شابةٍ إلى الوسط الثقافي المصري، خاصة أنَّ الجوائز دائماً ما تكون سبباً في رواج الأعمال الأدبية الفائزة، والتعرف إلى مبدعين جدد في السرد المصري.
كسرت هذه المسابقات الأدبية نظريةً قديمةً تتعلق باقتصار النشر في الدور الكبرى على الأسماء الشهيرة في عالم الأدب؛ فقد حظيت أعمال الفائزين في مسابقة الروائي الكبير خيري شلبي بالنشر في «دار الشروق»: مثل «النقشبندي» لـ رحمة ضياء، «قرية المائة» لـ رحاب لؤي، بينما نُشرت الرواية الفائزة بالدورة الأولى في المسابقة «الساعة بعد الصفر» لـ رانيا اللبودي في «دار بتَّانة».
وفي تقليدٍ جديدٍ، لم تكتفِ «دار الشروق» بنشر الأعمال الفائزة في المسابقة فقط؛ بل نشرت أعمالاً حلت في القائمة القصيرة لجائزة خيري شلبي، مثل رواية «تقاطعات» للكاتب خالد عصام.
بدأت الجائزة في عام 2020، لدعم المواهب الشابة وإحياءً لذكرى الراحل، خيري شلبي بالتعاون بين أسرته ودار الشروق، ويُفتح باب التقديم للجائزة في شهر يناير تزامناً مع ذكرى ميلاده، بينما الإعلان عن الفائز في شهر سبتمبر تزامناً مع ذكرى الرحيل (توفي الكاتب الكبير خيري شلبي في 9 سبتمبر 2011 عن عمر ناهز 73 عاما).
وتحدث روائيون مصريون لـ«العاصمة» عن تجربتهم في هذه المسابقات الأدبية، وكيف كان فوزهم في تلك المسابقات حافزاً لهم لمواصلة العمل بجديةٍ واحترافيةٍ في عالم الرواية.
رحمة ضياء.. من الصحافة إلى عالم الرواية بـ«النقشبندي» و«سيدة القرفة»
بعد رحلةٍ صحفيةٍ ناجحةٍ عقب تخرجها في كلية الإعلام بجامعة القاهرة، وحصولها على جوائز صحفيةٍ شهيرةٍ مثل: جائزة هيكل للصحافة العربية، خاضت الكاتبة الصحفية رحمة ضياء مجال الكتابة الأدبية، فقدمت مجموعتها القصصية «رقصة مع الرومي»، ثم حصلت على جائزة الراحل خيري شلبي عن روايتها «النقشبندي» عام ٢٠٢١.
تروي الكاتبة رحمة ضياء لـ«العاصمة» قصة كتابتها للرواية وكواليس فوزها بالجائزة قائلةً: «كتبت الرواية في عامٍ ونصف العام، بدأت في سنة كورونا، ولم أتوقف عن تنقيح العمل حتى بعد تقديمه للمسابقة».
وأضافت: «لم أكن أتوقع الفوز في المسابقة، فمشاركتي من البداية كان الهدف منها معرفة رد فعل المشاركين في التقييم، كنت أريد معرفة رأي محترفين في كتابتي، لكن في النهاية كان فوزي مفاجأةً جميلةً».
نرشح لك: «صناعة في خطر».. هؤلاء يتحدثون لـ«العاصمة» عن أزمات النشر قبل «معرض الكتاب»
وعن تأثير المسابقات والجوائز الأدبية على المبدعين الجدد من الشباب، قالت الروائية رحمة ضياء: «المسابقات تكون دفعةً كبيرةً للأجيال الجديدة، هي شهادة ثقةٍ أنَّ الكتابة جيدةٌ، أو أن الكاتب الشاب قدم عملاً روائياً جيداً، خاصة إذا كان هذا العمل الروائي هو الأول».
مشيرةً إلى أنَّ روايتها «النقشبندي» وصلت إلى عددٍ كبيرٍ من الناس، وحققت نجاحاً كبيرًا، لأن نشرها مع دار نشر كبيرة مثل «دار الشروق» صنع فرقاً.
وعن طقوسها في الكتابة، قالت الروائية رحمة ضياء: «أنا شخص نهاري، أحب الكتابة في الصباح، لأن الأوقات الصباحية أكثر الأوقات هدوءاً وأستطيع تحقيق فيها إنتاجاً، كل ما أحتاجه مكانا هادئا ووقتاً للتركيز فيه، أعمل ملف للشخصية، وأجري بحثاً عميقاً، حتى يكون عندي قماشة واسعة أستطيع العمل عليها».
تضيف أنها تعرض مسودات أعمالها على الذين تثق فيهم مثل الكاتب محمد توفيق، صاحب ثلاثية «الملك والكتابة» الذي تعتبره «الأب الروحي» لها، لأنها عملت معه منذ البداية في الصحافة.
أما عن روايتها الجديدة «سيدة القرفة» التي شاركت بها في معرض الكتاب الآخير، فقد عرضتها الكاتبة رحمة ضياء على الروائيتين: منصورة عز الدين ومي التلمساني، وحصلت على ملاحظاتهما لتطوير الرواية قبل نشرها مع «دار الشروق».
وتقول صاحبة رواية «النقشبندي» عن العلاقة بين الصحافة وعملها الأدبي: «العمل الصحفي ساعدني على الكتابة الروائية، وفي إجراء المعايشة الميدانية، والقدرة على البحث وجمع المعلومات عن الشخصيات، والبحث في مصادر مختلفة حتى يكون العمل الروائي به مادة غنية».
أما عن الكُتَّاب الذين تقرأ لهم، فقالت: «أقرا لكُتَّاب مختلفين: بحب كتابات محمد المنسي قنديل، رضوى عاشور، بهاء طاهر، ومن المعاصرين نورا ناجي، منصورة عز الدين، بثينة العيسى وسعود السنعوسي».
فريد عبد العظيم وجائزة إحساس عبد القدوس في «غرفة لا تتسع لشخصين»
أصدر الروائي فريد عبد العظيم قبل «غرفة لا تتسع لشخصين»، روايتين هما «خوفاً من العادي» و«يوميات رجل يركض» التي وصلت إلى القائمة الطويلة لجائزة ساويرس الثقافية، ثم حصلت روايته «غرفة لا تتسع لشخصين» على جائزة إحسان عبد القدوس في الرواية.
يقول الروائي فريد عبد العظيم لـ«العاصمة»: « (غرفة لا تتسع لشخصين) هي روايتي الثالثة، شرعت في كتابتها عام 2019، أعدت تحريرها أكثر من مرةٍ، حذفت وأضفت الكثير، بعدما أنهيتها وأعدت قراءتها قررت أن أعيد كتابتها من الصفر. أعتقد أن المدة الزمنية التي استغرقتها لكتابة الرواية حتى وصلت إلى شكلها النهائي، تجاوزت عاماً ونصف العام».
ويروي «عبد العظيم» كواليس كتابة تلك الروائية قائلاً: «فكرة الرواية سيطرت على تفكيري فور انتهائي من رواية (التلصص) لـ صنع الله إبراهيم، استهواني صوت الطفل وطريقة سرده للأحداث، صبي صغير يرى العالم ويطرح طوال الوقت تساؤلاته، ربما ذكريات طفولتي هي ما أثرت في، قد أكون وجدته وقتا مناسبا لإخراجها على الأوراق».
يؤكد صاحب رواية «خوفاً من العادي» أنه لم يتقدم من قبل لأي جائزةٍ خاصةٍ بالأعمال غير المنشورة، هذه هي المرة الأولى، يضيف: «فور أن أنتهي من كتابة رواية أبدأ في رحلة البحث عن ناشر، للأسف وقت انتهائي من رواية (غرفة لا تتسع لشخصين) كانت الأجواء صعبة؛ ارتفاع أسعار الورق، انتشار وباء الكورونا، وتأجيل معرض الكتاب».
يستكمل: «لم تحظَ الرواية باهتمام من قبل الناشرين ففكرت في التقدم بمخطوط العمل للجوائز الخاصة بالأعمال غير المنشورة، في تلك الفترة فتح باب التقديم لجائزة إحسان عبد القدوس، أرسلت العمل عبر الإيميل ونسيت الأمر بعد أيامٍ قليلةٍ».
يروي «عبد العظيم» كواليس معرفة خبر فوزه بالجائزة قائلاً: «بعد شهرين بينما أتصفح موقع الفيس بوك، صادفني منشور يتضمن إعلان الفائزين بجوائز إحسان عبد القدوس، لم ألاحظ أن اسمي كان من بين الفائزين، أغلقت شاشة الموبايل وانشغلت بالعمل، بعدها بساعاتٍ ظهر الخبر أمامي مرة أخرى، لا أعرف حتى الآن لماذا أعدت قراءته، ربما بعضا من فضول وخصوصا أنني قد اشتركت في الجائزة، المفاجأة أنني وجدت اسمي من بين الفائزين».
يقول إنه لم يتوقع مطلقا فوزه بهذه الجائزة: «تخطيت فكرة التعلق بالجوائز، أمر منهك وموتّر للأعصاب ويجعل الكاتب محبطا، وقد يؤثر على مشروعه الإبداعي».
أسأله: هل الجوائز الأدبية تكون سببا في ظهور جيلٍ جديدٍ من المبدعين؟ ويجيب: «بالفعل قد تكون الجوائز أحيانا سببا في ظهور كاتب جديد، أو تسلط الضوء على كاتب غير معروف للقراء، ربما أستطيع القول أن الجوائز مهمة للكاتب، ماديا ومعنويا، أي كاتب سيكون سعيدا بحصوله على مبلغ من المال أي كانت قيمته؛ فالكتابة ليست مهنة ولا تحقق أي أرباح مادية، معنويا فالشعور بالتميز أمر مستحب لأي شخص، فاختيار عملك بين عشرات أو مئات الأعمال باعتباره الأفضل أمر مبهج للغاية».
وعلى الرغم من اعترافه بأهمية الجوائز، إلاَّ أن الكاتب فريد عبد العظيم لا يُنكر أنَّ الجوائز ليست عادلةً على الدوام، يوضح: «الأدب يخضع للذائقة وليس مسألةً حسابيةً محددة النتائج، لذا ليس لزاماً أن يفوز الأفضل، الأمر يتعلق بذائقة لجنة التحكيم وأفكارهم وتحيزهم الإبداعي».
يقرأ فريد عبد العظيم لعددٍ من الكُتَّاب يقول إنه يستمتع بأعمالهم، أبرزهم الكاتب الكبير عادل عصمت، يتابع: «قبل شروعي في البدء بكتابة عملٍ جديدٍ أعيد قراءة رواية أو مجموعة قصصية من أعماله، على المستوى العربي أحب كتابات محسن الرملي وربيع جابر، وعالميا أحب كتابات آني أرنو».
أما عن طقوس الكتابة لديه، فيقول: «أحبذ الكتابة مستخدماً القلم والأوراق، حتى الآن لم أشرع في كتابة عمل مباشرةً باستخدام الكمبيوتر، الورقة والقلم يمثلا لي شعورا أكثر حميميةً من الكيبورد، في البدء أكتب على الأوراق، بعد ذلك تأتي مرحلة نسخ العمل على جهاز الكمبيوتر».
يتابع: «للكتابة ميعاد محدد بالنسبة إلي، لست من أنصار الإلهام والوحي، غالبا ما أبدأ كتابة في الرابعة عصرا ولمدة ساعتين، يستمر هذا الروتين طوال فترة كتابة الرواية، بعد الانتهاء وإرسالها للناشر أترك الكتابة لفترةٍ تتجاوز الستة أشهر، أهتم فيها بالقراءة المتنوعة والكتب التي قد تفيدني أثناء كتابة الرواية القادمة».
يعرض «عبد العظيم» مسودات أعماله على آخرين، وهو من أنصار فكرة «المحرر الأدبي»، يوضح أكثر: «أُرسل أي مخطوطٍ أنتهي منه إلى ثلاث أصدقاء، وأضع ملاحظاتهم عين الاعتبار، أتذكر أنه في روايتي الثانية (يوميات رجل يركض) حذفت شخصيتين رئيسيتين و11 ألف كلمة عبر أكثر من مسودة أولية بناءً على ملاحظات الأصدقاء».
رحاب لؤي: خيري شلبي جاءني في المنام واختار روايتي «قرية المائة»
طوال عملها الصحفي، قدَّمت الكاتبة رحاب لؤي مقالاتٍ وقصصاً إنسانيةً متميزةً، حصدت بها جوائز مثل جائزة على أمين في القصة الإنسانية، وجائزة مكتبة الإسكندرية في المقال الصحفي، وجائزة التفوق الصحفي من نقابة الصحفيين في فرع صحافة المرأة عام 2014، وجائزة معهد جوتة في الكتابة العلمية ضمن فعاليات ورشة «العلم حكاية» عام 2018، ثم كشفت في كتابها «أصفر أزرق أخضر» كواليس كثيرة عن العمل بمهنة البحث عن المتاعب.
تكشف رحاب لؤي الفائزة بجائزة خيري شلبي للعمل الروائي الأول في دورتها الرابعة عن كواليس كتابتها لرواية «قرية المائة» قائلةً: «في 2019، تعرضت للإصابة باكتئاب ما بعد الولادة عقب إنجاب ابنتي الثانية (سلمى)، وكنت أيضاً قررت التوقف عن العمل الصحفي في مكاني».
وتضيف في حديثها لـ«العاصمة»: «بدأت حمى التعلم، تعلمت صحافة البيانات، قيادة السيارات، ثم شاركت بنصٍ في مسابقة ورشة الرواية التي تقدمها الدار المصرية اللبنانية تحت إشراف الروائي طارق إمام، وفزت في المسابقة ضمن 7 آخرين، على الرغم من أنني أرسلت النص وكنت وقتها في حالة يأسٍ».
وعن مشاركتها في تلك الورشة، تقول: «بدأنا الورشة، والروائي طارق إمام رجل محترم، علمنا أساسيات الرواية، وقطع معنا شوطا طويلا، وكنت متحمسةً جداً، وكانت ردود فعله إيجابية على مشروعي، لكن لم نستكمل الورشة بسبب جائحة كورونا، وتوقف المشروع، فأصبت باكتئابٍ أكثر».
واستكملت: «وجدت نفسى أمام المشروع، هديت وبنيت في الرواية من أول وجديد في الفترة الزمنية بين عامي 2020 و2023، ويمكن لو قرأها الروائي طارق إمام الآن سيندهش لأن حدث فيها انقلاب تماماً».
«أنا بكره الملفات المفتوحة ولازم أخلصها»، هكذا تصف الروائية رحاب لؤي إحساسها عندما انتهت من كتابة الرواية، ولكنها لم تكن تعرف هل الرواية «جيدة أم سيئة»، وظهر الحل أخيراً في مسابقة الراحل خيري شلبي للعمل الروائي الأول.
تقول عن ذلك: «قررت المشاركة وكنت مكتئبةً جدا، ولكن قلت لو وصلت الرواية للقائمة الطويلة هيبقى بعرف أكتب وهيبقى خير، ولو وصلت للقائمة القصيرة سأدفع بها لإحدى دور النشر».
وبعيداً عن القائمتين «الطويلة والقصيرة»، فقد جاءت البشرى من الراحل الكبير خيري شلبي نفسه، تقول الكاتبة رحاب لؤي: «حلمت بالراحل خيري شلبي كان قدامه روايتين، وشاور على روايتي، وقلت إنها بشرة خير.. وكان ذلك قبل إعلان القائمتين الطويلة والقصيرة، ولكن تخيلت إن عقلي الباطن يصالحني أو يُطمئني».
وتضيف: «لم أكن أتصور الفوز بالجائزة، وشعرت بالاطمئنان على منتج تعبت فيه، خاصة أنَّ الجائزة قادمة من جهة محايدة ليس لها مصلحة.. في هذه اللحظة صدقت نفسي، الواحد بيبقى خائف أنه يكون ضحك على روحه، وأنه كاتب حاجة مش حلوة».
وكشفت عن أنها تعمل على روايةٍ جديدةٍ، وأنها تقرأ لـ جيهان عمر، وهبة الله أحمد صاحبة «ثورة الفانيليا.. رسائل من المطبخ».
وعن رأيها في مقولة «زمن الرواية» قالت رحاب لؤي: «هو بالفعل زمن الرواية، لم أكن مصدقةً هذه المقولة في وقتٍ سابقٍ، حتى رأيتها على أرض الواقع، الطوابير في معرض الكتاب كانت على الرواية، وليس الشعر خالص للأسف».
وعن تجربة كتابة القصة القصيرة، قالت الكاتبة رحاب لؤي: «سنة 2010، كتبت قصة وعرضتها على الدكتور محمد عبد المطلب، اسمها (في الظلام)، عرضها على جمال الغيطاني ونشرها في (أخبار الأدب)، وكتب عني (عبد المطلب) أيضاً مقالا في الأهرام لم أعرف عنه إلاَّ مؤخراً».
إسحاق بندري: الجوائز اعتراف بقيمة «الإنجاز الإبداعي» لكاتبٍ معينٍ وتقديره
في رأي، المترجم إسحاق بندري ينبغي في البداية أن نفهم غرض وجود الجوائز الأدبية، وهو الاعتراف بقيمة «الإنجاز الإبداعي» لكاتبٍ معينٍ وتقديره، ومن ثمَّ تسليط مزيد من الضوء عليه، بالإضافة إلى منحه شهادات التقدير والمكافآت المالية.
ويضيف في حديثه لـ«العاصمة»: «تزايد انتشار الجوائز الأدبية في القرن العشرين، بدايةً من تأسيس جائزة نوبل في الأدب، وما تلا ذلك من ظهور جوائز أخرى ذاع صيتها حول العالم مثل البوليتزر والبوكر والجونكور والفيمينا والكتاب الوطني وغيرها».
يوضح «بندري» أنَّ تلك الجوائز العالمية تتميز بوجود معايير واضحة لتقييم الأعمال، سواء جاء تقديم الأعمال من بعض المؤسسات أو دور النشر أو الكاتب نفسه وفقًا لشروط الترشح لكل جائزة.
يستدرك: «ولكن ذلك لا ينفي توجيه بعض المآخذ والتحفظات على سياسات بعض الجوائز ومدى انحيازها من عدمه؛ جائزة نوبل نفسها لم تسلم من هذه الانتقادات، وأولها انحيازها للأعمال المكتوبة باللغات الأوروبية بدرجة واضحة».
يستكمل: «وفي رأيي الشخصي أن كل ذلك يقدم مجالاً صحيًّا وخصبًا للنقاش والجدل، وأتصور أنَّ البيانات التي تقدمها الجوائز العالمية عن حيثيات فوز عمل ما هي في حد ذاتها بمثابة قطع أدبية جديرة بالقراءة والتأمل، وبالأحرى لأنها لا تقتصر على جنس أدبي بعينه مثل الرواية ولكنها تهتم بأجناس أدبية أخرى مثل القصة القصيرة والشعر والمسرح والسير الذاتية والأعمال التاريخية أو السياسية بل والتحقيقات الصحفية، بل وتمتد إلى بعض النواحي الفئوية مثل الإبداع الروائي للمرأة».
هذا أدى إلى أنَّ ذلك هو اهتمام ملايين من القراء حول العالم بمتابعة هذه الجوائز وقراءة الأعمال وتقييمها وطرح رؤى جديدة حولها، وبالتأكيد لا يقتصر الاهتمام على الأعمال الفائزة فحسب بل ويشمل الأعمال التي وصلت إلى القوائم الطويلة أو القصيرة.
يتابع: «ولذا جاءت أيضًا الجوائز العربية لتحذو نفس الحذو، ولكن ليس بنفس الدرجة. كما أشرت سلفا أن وجود الجوائز هو ظاهرة صحية وهامة، ولكن الأهم هو وجود معايير واضحة للتقييم وتقديم بيانات تفصيلية عن حيثيات فوز الأعمال».
ويؤكد: «لا يعيب الكاتب من وجهة نظري أن يتقدم بأعماله للترشح، لأن ذلك موجود في كل العالم، لكن في تصوري الشخصي يكمن جوهر المشكلة في أن يتحول الفوز بالجوائز إلى هدف قائم بذاته».
موضحا أنَّ الفكرة هي الاعتراف بإنجاز الكاتب وتقديره وربما ترجمة أعماله إلى اللغات الأجنبية، وليس العكس بأن ينحصر تفكير الكاتب في الجوائز على حساب مشروعه.
ينتقد «بندري» اقتصار بعض الجوائز العربية على «فن الرواية» فقط، في حين يستلزم الأمر ظهور جوائز كثيرة للأجناس الأدبية الأخرى، وهذا سينعكس على لفت النظر تجاه تعدد الأشكال الأدبية وإلقاء الضوء على أصحابها وتقديرهم معنويًا وماديًا.
وفي النهاية، يرى أنَّ الجائزة ليست «نهاية المطاف» بالنسبة إلى الكاتب، هي جزء من سيرته ومسيرته، وما لا يجب أن يغفل عنه هو الاستمرار في مشروعه والإخلاص له.