عن «هواجس» جيل جديد يكتب الرواية في مصر «سلسلة حوارات».. إيمان جبل: كتابة الرواية تحتاج «التزاما شديدا» والشعر «محطة دائمة» في مشواري الأدبي
كتب: عرفة محمد أحمد
الأدب «حصنٌ» أحتمي به من سوء فهمي تجاه العالم والعلاقات
ليس لديَّ وقت للتوقف والالتفات إلى «عداواتٍ» لأني أعرف مَنْ أكون
«جيلنا» ممتازٌ ومعافر وقدَّم في وقت قياسي أعمالاً «حلوة»
أرفضُ وضع «الأدب» في إطار معين.. إنه حرٌ من الكاتب ومن حكاياته
أكتب قصيدة «النثر» من قبل كتابة الرواية والقصة.. أنا «ابنة الشعر»
في فترةٍ زمنيةٍ تقترب من الـ«3» أعوامٍ، قدَّمت الكاتبة إيمان جبل «5» أعمالٍ أدبيةٍ؛ روايتين ومجموعتين قصصيتين وديوان شعرٍ، سبق صدور تلك الأعمال الأدبية، سنواتٌ من القراءة والكتابة باستمرارٍ، كانت تراها صاحبة رواية «قيامة تحت شجرة الزيتون» مجرد «شخبطة» أو «تمريناً» أو «تسخيناً» قبل نزول الملعب.
في لحظةٍ ما، وتحديداً عام 2020، شعرت إيمان جبل أنها مستعدةٌ نفسياً وأدبياً لمواجهة القارئ، فصدرت مجموعتها القصصية الأولى «مَنْ ينقذ بحيرة البجع؟» عام 2021، ثم رواية «قيامة تحت شجرة الزيتون» ومجموعة «لا أحد ينجو من آنا فونتينا» في معرض الكتاب عام 2022، و«لعبة البيت» يناير 2023.
بجانب أعمالها السردية الأربعة في الرواية والقصة القصيرة، والتي تركز على «ثيمةٍ» تتعلق بالحرية وقدرة الإنسان على خلق مصير عادلٍ ومتزنٍ لنفسه دون تشويه «الجذور»، أصدرت إيمان جبل ديواناً شعرياً بعنوان «كل هذا الدفء في عيني مريم» 2024.
يأتي هذا الديوان ضمن مشروعٍ واضحٍ لـ«إيمان» سيجعل الشعر محطةً دائمةً في مشوارها الأدبي، وهو مشروع لا ينفصل عن نظيره السردي الخاص بها في كتابة الرواية والقصة القصيرة.
في جميع أعمال إيمان جبل، ستجدها تلمس وتراً حساساً عن العلاقات الإنسانية المعقدة سواء داخل الأسرة أو العائلة الواحدة، أو حتى العلاقات العاطفية؛ تضج تلك الأعمال المكتوبة بلغةٍ شاعريةٍ قويةٍ وعاصفةٍ وصادمةٍ أحياناً، بشخصياتٍ قادمةٍ من خلفياتٍ اجتماعيةٍ ونفسيةٍ صعبةٍ من خلالها تعرضها للإيذاء النفسي والجسدي.
هذا الإيذاء النفسي والجسدي تنطلق منه أفعال الشخصيات طوال الأحداث، وكأنَّ كل تلك الأعمال ترجمةٌ لعبارة «نحن أبناء عقدنا الأولى» التي تكتبها «جميلة»، إحدى بطلات رواية «قيامة تحت شجرة الزيتون» على المرآة.
درست الكاتبة إيمان جبل في كلية الطب البيطري، ووصلت روايتها «لعبة البيت» إلى القائمة الطويلة لـ«جائزة غسان كنفاني للرواية العربية» في دورتها الثانية عام 2023، كما ترشحت في العام نفسه في القائمة القصيرة لجائزة ديوان العرب، دورة الشاعر الراحل محمود قرني، فرع قصيدة النثر، وحصلت على منحة التفرغ فئة الرواية، من المجلس الأعلى للثقافة لعام 2024.
بعد روايتين ومجموعتين قصصيتين وديوان شعرٍ، أين تقف الكاتبة إيمان جبل وهل أنت راضيةٌ عن إصداراتِك حتى الآن؟
أنا أكتب العمل وأنساه عندما يصير في يد القاريء، لا أقف عنده نهائياً، ولكن أنتقل إلى العمل الجديد، نظرتي إلى نفسي مبنيةٌ على الحركة والاستمرارية، وأزعم أنني أمتلك مشروعاً وأفكاراً أسير وراءها و«مكملة» دون الوقوف للانتظار وتقييم عملٍ صدر لي.
بعد هذا السؤال الذي يعد بدايةً من القمة أو من اللحظة الحالية.. نعود إلى الوراء ونريد أن نعرف كيف كانت بدايتك مع القراءة؟
بدأت القراءةَ منذ الطفولة، والدي كان لديه مكتبةٌ كبيرةٌ في البيت وعيت عليها، وضمت كتباً في جميع المجالات: الطب والهندسة وعلم الاجتماع والفلسفة والأدب إلخ، كان شخصاً مرتباً ومنظماً حتى في «تبويب» وتوزيع الكتب داخل تلك المكتبة، فوجدتُ نفسي بسهولةٍ شديدةٍ داخل المؤلفات، أقرأُ الكتاب أناقشه بعدها وأخرج له أفكاري وتفاعلاتِي الصغيرة مع ما قرأته، وهو بدوره يجاريني ويستمع إليّ ويتفاعل معي. لعبةٌ جميلةٌ وممتدةٌ داخل الزمن لعبناها سويًّا.
كما ساعدتني كل النساء في طفولتي على تطوير الحكايات داخل عقلي، والتمكن من خيوط اللعبة؛ أمي وصديقاتها، جدتي، خالاتي وعماتي.
بعدها اكتشفتُ حبي لـ«الأدب»، وبدأتُ القراءةَ من العام إلى الخاص؛ بمعنى أنني في البداية كنت أقرأ في كل المجالات، ثم اتجهتُ إلى القصص والشعر العربي الذي أُغرمت به، وبالأدب العالمي.
جذبتني منطقة الحكايات والشعر، صرتُ بعدها أشتري أنا الكتب، وتطورت مرحلة القراءة عندما اكتشفتُ جنسيات مختلفة للأدب، وفي وقتها لم يكن هناك تطورٌ في وسائل البحث، والإنترنت كان «بعافية»، بمعنى أنَّ العثور على المعلومات كان يتم بصعوبةٍ، فكانت عملياتُ الاستكشاف ارتجاليةً وعفويةً تماماً.
كيف كانت المرحلة الأولى في الكتابة ومتى بدأتِ عملية النشر؟
لا أسميها مرحلة أولى في الكتابة أو حتى «بداياتٍ»؛ كانت مجرد «شخبطةٍ» أو «تمريناً» أو «تسخيناً»، وتلك بدأت منذُ المرحلة الابتدائية؛ عندما شعرتُ شعورًا ملحًّا أني أريد قول شيء ما، ورغم أنها كانت كتاباتٍ «ساذجةً» إلاَّ أنني كنتُ أجدُ تشجيعاً في المدرسة والبيت، وأول ما كتبته كان قصةً كتبتها ورسمتها، ثم كتبت القصيدة، واستمررت بعدها في كتابة الشعر الموزون في المرحلتين «الإعدادية» و«الثانوية».
يُمكن اعتبار أنني «كنت ابنة الشعر» في تلك المرحلة؛ احتواني الشعر وخلق لي عالماً مضاداً.
في الجامعة كتبتُ باستمرارٍ، وشاركتُ في مسابقات الشعر والقصة والأنشطة الأدبية، وبعد الجامعة كتبتُ روايةً من ثلاثة أجزاءٍ، ومجموعة في أدب الطفل ولكن كل تلك الكتابات «تم وأدها» لأنها لم تكن تصلح أن يقرأها أحدٌ؛ كلها كانت محاولاتٍ قبل نزول «الملعب»، أو تمريناً تمهيدياً للكتابة.
مرحلة النشر جاءت عندما وجدتُ أنني مستعدةٌ استعداداً نفسياً وأدبياً لأن أنقل اللغة من داخلي للخارج، لأن أشارك لغتي.
الكاتب يأتي عند نقطةٍ معينةٍ ويقرر أنها اللحظة المناسبة، جاءت تلك النقطة عام 2020 عندما أخذتُ قرار النشر، وصدرت مجموعة «مَنْ ينقذ بحيرة البجع؟» عام 2021، وفي العام الثاني بمعرض 2022 صدرت رواية «قيامة تحت شجرة الزيتون» ومجموعة «لا أحد ينجو من آنا فونتينا»، و«لعبة البيت» 2023، و«كل هذا الدفء في عيني مريم» 2024.
كما تم إعادة إصدار رواية «قيامة تحت شجرة الزيتون» ضمن مشروع البدايات لـ«دار كتوبيا»، وقريباً سيتم إعادة إصدار مجموعتي القصصية «مَنْ ينقذ بحيرة البجع؟».
في رواية «قيامة تحت شجرة الزيتون» تقول «مارلا» ناصحةً «جميلة»: «الإنسان الحقيقي هو مَنْ يعرف طريقه منذ اللحظة الأولى».. متى عرفتِ أنَّ «عالم الأدب» سيكون طريقك؟
من سنواتٍ طويلةٍ عرفتُ أنَّ «عالم الأدب» سيكون طريقي، كنت أشعرُ أنه «البالون» الخاص بي، أو «الحصن» الذي أحتمي به من سوء فهمي تجاه العالم والعلاقات، وهذا ليس معناه أنني «معزولةٌ» عن العالم، الأدب وضع حولي أسواراً عظيمةً للحماية مع سماحية دقيقةٍ و«مفلترة» للاشتباك مع أي شيء وكل شيء.
في روايتيّ «قيامة تحت شجرة الزيتون» و«لعبة البيت» هناك تركيزٌ شديدٌ على تناول قضايا المرأة وتعرضها للظلم والعنف بجميع أنواعه وتظهر بعض تلك الملامح في قصصك القصيرة أيضاً.. هل هذا هو مشروعك في الكتابة؟
أنا مشغولةٌ منذ بداية الكتابة بـفكرة الحرية وقدرة الإنسان الواعية على تسيير وتخليق مصيره الشخصي وهذا يظهر في أعمالي بشكلٍ عفويٍّ وليس متعمداً أو مقحماً.
الكاتب عموماً عندما تستفزَّه فكرةٌ معينةٌ فلن يقول: «هجيب للفكرة امرأةً أو رجلاً»، أستسلم للتداعي الحر للفكرة.
واجهتْ «جميلة» في رواية «قيامة تحت شجرة الزيتون» رفضاً من والدها عندما عرف أنها تقرأ، لم يكن يسمح لها إلاَّ بالكتب الدينية، حتى رجل الدين «الشيخ سيد» الذي كانت تحفظ القرآن على يديه كان يخبرها أنَّ كتابة القصص من الكذب والكذب من التدنيس ولعنة الله على الكاذبين.. هل تلك النماذج التي تمارس ترهيباً من القراءة والكتابة موجودة حتى الآن في المجتمع؟
نعم.. موجودة تلك الشخصيات في المجتمع حتى الآن، وعلى الرغم من أنني كنت ابنةً لأبوين ساهما كثيراً في نشأتي وتأهيلي الأدبي والثقافي، إلا أنني قابلت في حياتي «نماذج مضادة» وحاكيتها.
تقول «جميلة» في الرواية نفسها: «وكم ألهمتني أنتيكاتيّ الجميلة في مصاحبة الألم وتفهمه».. هل الفن - بجميع أشكاله - قادرٌ على معالجة آلام الشخص أو تخفيفها؟
طبعاً.. وللأمر شقين؛ «معنوي» وهو يرتبط بالاحتماء بنوعٍ معينٍ من الفن؛ مثلاً بـ«ترسم، بتنحت، بتكتب» فهذا يكون «فعل تعافي وتشافي» يشبه اللجوء لإنسان يفهمك، يؤمن بك، ويحبك.. وثانياً «مادي» بمعنى أنَّ الاحتماء بالفن وممارسته يُخرج لك شيئاً «مادياً»؛ عندما تُحوِّل الطاقة والمشاعر التي بداخلك إلى «منتجٍ معينٍ» من صنع يديك فتقف لتتأمل ما خلقت بشعور مُرضٍ بالقيمة والأمان: «الماكنة طلعت قماش».
فمثلاً تخيل أنَّ لديك «بذرة غضب» تجاه موقفٍ معينٍ قد يكون تافهاً لا يناسبُ قيمتك كإنسان، ولكنك صنعت لهذا الموقف «التافه» أبطالاً وأحداثاً وشخصياتٍ وحكايةً، هذا الموقف سيتحول إلى «منتجٍ/ قصة مثلاً»؛ هذا المنتج تشعر «أنه رد اعتبارك.. أو شفى غليلك بشكل ما».
بالنسبة لي، فإنَّ «الفن/الكتابة» ساعدني على تحمل أصعب الظروف والمواقف في حياتي؛ شعورك أنك تمارس شيئاً تُحبه، أو أنك ستُخرِج «ثمرةً/كتاباً» في النهاية، قد يجد تقديراً، هذا كله كان يجعلني أتحمل مشقة الصبر والعمل الطويل المستمر من كتابةٍ وتعديلٍ وهدم «مسوداتٍ» وكتابة غيرها، أنت هنا تتحمل الحياة من خلال الكتابة، ولا يوجد أفضل أو أحلى من أن يمارس الإنسان شيئاً يحبه.
ألاَّ تخشين من تكرار «الثيمة» الواحدة في أكثرٍ من عملٍ.. فكرة الأشخاص الذين يرتكبون أفعالاً معينةً وفقاً لـ خلفياتهم أو السلطة التي شوهتهم في الصغر؟
ربما يتناول مشروعي حتى الآن «ثيمةً محددةً» ولكن بمحاكاةٍ مختلفةٍ في كل عملٍ، في مواجهة الكتابة في كل مرةٍ تفتح لي طرقاً ومشاعر جديدةً: «كل ما أخلص عمل وأحس أنه كدا المشروع خلاص انتهى، أجد الكتابة كريمةً معي وتُسلمني إلى العمل اللي بعده، وأنه فيه فكرة تاني ظهرت.. ولكن من غير تكرار».
ورأيي أنَّ هناك فرقاً بين «كاتبٍ» لديه مشروع يعمل عليه باستمرارٍ، وكاتب «مفلس» لا يملك أفكاراً «وعمال يكرر في الفكرة نفسها في كل أعماله»، القارئ سيكشف أوراق اللعب بسهولة.
في روايتك «قيامة تحت شجرة الزيتون» تقول «ثريا» لـ«مدينة» في أحد المواقف: «الحكي يملك بصيرةً نافذةً على الحقائق».. هل تريدين تقديم حقائقٍ ما من خلال أعمالك الأدبية المختلفة؟
أرفضُ وضع «الأدب» في إطارٍ معينٍ؛ «الأدب» حرٌ من الكاتب ومن حكاياته، هو لم يُوجد لتوجيه أو تقديم «حقائق»؛ أنا أكتب وأتتبعُ قصةً دون تعمد تقديم حقيقةٍ معينةٍ: «أسيب الأبطال يخبطوا في بعض، هما حرين، يحبوا بعض، يعملوا في بعض خيراً أو شراً، يولعوا في بعض»، لا أتدخل لرمي موعظةٍ، أو للتسليك بينهم. يقدموا ما يقدمونه، لهم الحرية الكاملة. لا أمتلك السلطة أو الوصاية عليهم. الحقائق تخص الحكاية ولا تخصني.
ما هي أهداف الأدب؟ وماذا يمثل لكِ؟
الأدب هو الجمال، هو قيمة الجمال، أينما وُجِدَ الأدب وُجِدَ الجمال، وبالنسبة لي «الأدب» يُحسِّن لي جودة الحياة.
في الرواية نفسها، كانت «نور» تتخيل أنَّ عالم المبدعين مختلفٌ، ولكن صدمها هذا القدر من الادعاء والأنانية كما تقول.. ماذا عن عالم المبدعين في الوسط الثقافي هل تعرضتِ إلى مشكلاتٍ أو عداواتٍ به؟
أي وسط أو مجال «شغل» يكون به المدعيّ والحقيقي، وأي شخصٍ لديه مشروع قائم ومستمر ويسير بخطواتٍ محسوبةٍ، لن يسلم بكل تأكيد من الهجمات.
أما بالنسبة للعداوات، فأنا أرى أنَّ كلمة «عدو» أو «خصم» كلمة لها قيمة وحجم مثل كلمة صديق تماماً لكن في جهةٍ مضادةٍ. كما أختار صديقاً بمواصفاتٍ خاصةٍ مثل (النبل والشرف، الحكمة، الذكاء)، خصمي كذلك يجب أن يكون بمواصفاتٍ شبيهةٍ.
عموماً ليس لديَّ الوقت للتوقف والالتفات لعداواتٍ أوغيرها، لأني أعرف مَنْ أكون.
في رواية «لعبة البيت» يدور حوارٌ بين «ليلى وماتيلد» حول الأخطاء نفسها التي تتكرر، لا لفقر التجربة عندهما ولا لاستعذاب طعم الألم بل لأن الخطوات القديمة تتيح لهما نوعاً فائقاً من الأمان.. هل ارتكبت إيمان جبل أخطاءً في الأدب؟
ليست أخطاءً بهذا المعنى، أي كاتبٍ «ينضج» مع مرور الوقت، تتغير نظرته للحياة، يتغير كتكوين نفسي وشخصي، وبالتالي لو أي «كاتب حقيقي» أمسك بعملٍ صدر له منذ سنواتٍ «سيفرمه»، أيضاً لا يوجد «كاتب حقيقي» يمر على عملٍ نشره منذ فترةٍ طويلةٍ ويقول عنه «إنه عملٌ كاملٌ».
أعمالك السردية ضمت نماذج حيةً موجودةً في الواقع من نساءٍ عانت مآسي وأحداثاً متعلقةً بالعنف الجسدي والنفسي.. هنا توجد إشكالية تتعلق بمَنْ يرون أنَّ «الأدب» عندما يقترب بشدةٍ من الواقع فإنه يكتب شهادة وفاته.. كيف ترين ذلك؟
هذا يعتمد على «التوليفة» ككل، وعلى قدرة الكاتب على تصميم لعبة سردية محكمة. الكتابة ليست مجرد «حكايةٍ»، والكاتب يكون لديه ما يقوله دائماً حتى لو استعان بشيء من الواقع.
هنالك الصبغة الأدبية التي سينفخُ فيها الكاتب من روحه، مروراً بكل عناصر تكوين النص.. عملية لا تقدر عليها حكايات الواقع.
ماذا عن كتابتك للشعر وإصداركْ ديواناً حمل عنوان: «كل هذا الدفء في عيني مريم»؟
الشعرُ هو أنا، وديوان «كل هذا الدفء في عيني مريم» هو الديوان الأول في مشروعٍ شعريٍّ أخرج فيه من العام نحو الخاص، بتوجيهٍ كاملٍ من العملية الشعرية، وتجربة الحياة خلالها.
حوارك هذا يأتي ضمن سلسلة حواراتٍ مع الأدباء الشباب القريبين من بعضهم البعض في بعض الملامح.. هل تؤمنين بفكرة الجيل الأدبي؟
طبعًا هناك «جيل» بملامح وخطى واضحة، لكن كل كاتبٍ في هذا «الجيل» له تجربة خاصة بسماتها وبهُويتها، وأرى أنَّ «جيلنا» ممتازٌ ومعافر، واستطاع في وقتٍ قياسي وفي ظروفٍ صعبةٍ نسبياً أن يقدم أعمالاً «حلوة» وبها «تجديد»، كما أنَّ إنتاج هذا «الجيل» لا يشبه بعضه البعض؛ بمعنى أن كل كاتبٍ له روحه وبصمة تميزه.
لديكِ تنوعٌ في الإنتاج الأدبي؛ تكتبين الرواية والقصة القصيرة والشعر.. هل تخططين عند كتابة نوعٍ معينٍ؟
أي «كتابة» سواء في الرواية أو القصة القصيرة أو الشعر، تحتاجُ إلى تخطيطٍ و«التزامٍ»، لكن الرواية في الحقيقة تحتاجُ إلى «التزامٍ شديدٍ»، إنها بناءٌ متكاملٌ وليست مجرد فكرةٍ أغرت كاتبها أو مجرد سيرٍ وراء «الإلهام»: «.. الرواية ليلة كبيرة».
القصة القصيرة أغلب الوقت «بسيب إيدي أنا وبكتبها، ممكن بالفعل تأتي دفقةً واحدةً كما يقولون، إنها شبيهةٌ بكتابة القصيدة التي تأتي one shot».
هل «السوشيال ميديا» قرَّبت الناس من الفنون الأدبية المختلفة؛ الرواية والقصة القصيرة والشعر؟
نعم.. مواقع التواصل الاجتماعي «خلت الدنيا متاحة شوية»؛ بل وساهمت أحياناً في تغيير وجهات نظر مغلوطة أضرب لك مثالاً: أحياناً قد تجد قارئاً لديه تصورٌ عن نوعٍ معينٍ من الأدب؛ «مقفول منه ولا يقرأ فيه مثل الشعر»، ثم يقرأ قصيدةً يجدها منشورةً بـ«السوشيال ميديا»، فتعجبه ويقول: «الله.. هو الشعر حلو كده»، فيبدأ البحث أو ينجذب إلى الدواوين الشعرية للشاعر، أو يقرأ قصةً قصيرةً فتعجبه أيضاً فيسأل عن مجموعاتٍ أو يطلب ترشيحاتٍ في هذا النوع الأدبي، وهكذا.
كيف ترين أزمة الحديث المتكرر عن «الشلة الأدبية»؟
سمعت هذا المصطلح كثيراً، منذ بداية دخولي الوسط الثقافي، والحقيقة لا أحب سماع هذه الكلمة أو هذا التوصيف الذي صار اتهاماً في أغلب الوقت لأي كاتبٍ يعمل على منجزٍ ما أو يصل إلى نقطة نجاحٍ، هذه الكلمة صارت مؤخراً «سُبَّة.. أي حد بيعمل إنجاز وعايزين يعملوا زوبعة حواليه يقولوا عليه إنه تبع شلة معينة».
وبصراحةٍ شديدةٍ «أنا بحب أبص في ورقتي»، وسواء كان هذا المصطلح موجوداً في الواقع أو غير موجودٍ، فأنا غير مهتمة.. «أنا مهتمة بشغلي فقط».
تكتبين في أكثر من فنٍ أدبيٍّ، ما اللقب الذي تحبينه: الروائية، القاصة، أم الشاعرة إيمان جبل؟
الحقيقة لا أفضل وصفاً معيناً؛ أجد نفسي في كل الأنواع التي أكتبها؛ الرواية والقصة القصيرة والشعر. وحتى الأنواع الأخرى التي لم أنشرها بعد.
هل سيكون «الشعر» محطةً دائمةً في «مشوارك الأدبي» باعتبار أنَّ أحدث إصداراتِك كان ديواناً عن دار «المحرر»؟
طبعًا الشعر محطتي الأساسية؛ أنا أصلاً تأخرتُ في نشر «الشعر»، وهذا شيءٌ لم يكن بإرادتي، أنت تعرف الأزمة التي يواجهها هذا النوع الأدبي في النشر، أنا حالياً لديَّ «مشروعٌ شعريٌ واضحة ملامحه» كل ما أفعله حالياً هو «تنظيم» عملية النشر، وعمل «توازن» في النشر بين الشعر والسرد، مع مراعاة حسابات الناشرين في النشر والموازنة بين الخطط الزمنية للنشر والأنواع الأدبية المختلفة.
يعرض كتَّابٌ «مسودات» أعمالهم على أصدقاءٍ أو زملاء لهم، بينما يفضل أخرون أن تكون عملية الكتابة فرديةً ولا يشاركون تلك المسودات مع آخرين حتى لمجرد الاستشارة.. إلى أي نوعٍ تنتمي إيمان جبل؟
الكتابة «بتاعتي لوحدي»، أكتبُ مع نفسي تماماً، ولكن من الممكن أن أعرض أجزاءً معينةً من عملٍ على واحد أو اثنين من أصدقائي حتى أرى تلك الأجزاء بـ«عينٍ مغايرةٍ»، أنا مؤمنةٌ أنَّ الكاتب له «روح وبصمة» قد يتعرضان للتشويه مع كثرة الذين يتفاعلون مع «مسودات» عمله قبل النشر، «أحب روحي تكون بخيرها»..
فضلاً عن أنَّ كل دار نشرٍ حالياً لديها لجنة قراءةٍ كبيرةٍ جدًّ ا تقرأ العمل، إضافةً إلى «المحرر الأدبي»، كل هؤلاء يعملون بطريقةٍ احترفيةٍ وتقنيةٍ على العمل، وأنا أثق بهم كمتمم لعملي، ولا حاجة لي بأكثر من ذلك.
ما أفكارك التي تدور دائماً في عقلك خلال الكتابة؟ وما الفكرة الرئيسية التي تشغلك؟
كل ما يدور في عقلي أثناء الكتابة هو كيف سأفلعها، كيف سأخلق التقنية، وأصنع اللعبة.
والفكرة الرئيسية التي بناءً عليها بدأتُ الكتابة في الأساس تمحورتْ حول المصير الإنساني ووعي الإنسان بتجربته واختياراته وقدرته على تشكيل هذا المصير، وخلق حسبةٍ عادلةٍ ومتزنةٍ بدون تشويه للجذور، ربما أسميها «القيامة النظيفة».
ما هاجسك الأكبر في الكتابة: اللغة أم الحكاية؟
الاثنان معاً.. بالنسبة للغة مثلًا: كل عملٍ يفرض عليًّ لغةً خاصةً؛ قد تتخفف اللغة في عملٍ، وقد تُركب أجنحةً وتطير في عملٍ أخر. وأنا دوري في هذه العملية «المراقبة والتطوير».
أما الحكاية: فالهاجس خلالها مركب، أبعد من كون الحكاية مجرد حكاية. هنالك مقادير متنوعة يجب أن يتم مراعاتها كتقنيات السرد، وكيفية ضبط اللعبة داخل الحكاية. «الأهم عندي من ماذا سأكتب، كيف سأكتب!». في النهاية يمكنني القول إنَّ «الهاجس» بالنسبة لي هو ضبط كل عناصر اللعبة بشكلٍ محكمٍ.