


موقف فرنسا من النيجر يكشف دورها الخفي في انقلاب الجابون
كتب: أحمد حسني




خطوات محسوسة أبدتها فرنسا (المستعمر القديم) لما يسمى «إفريقيا الاستوائية الفرنسية» نحو انقلابين حدثا في أقل من شهر بالنيجر والجابون، فالانقلابات «مُعْدِية» بطبيعة الحال.
يرى العديد من الخبراء أن فرنسا أعدت انقلاب الجابون لتفادي سيناريو النيجر وما حدث فيه، وخوفًا من حدوث «انقلاب خشن» في الجابون يُنهي النفوذ الفرنسي في البلدين، لتتوالي بقية السلسلة ومن ثم تفقد باريس كل مكتسباتها في إفريقيا.
فمن ناحية النيجر أبدت باريس اعتراضًا شديدًا وأبدت أيضًا استعدادها للتدخل بالقوة، سواء عن طريق مجموعة «إيكواس» أو بطريق مباشر من خلال قواتها الموجودة في النيجر، أو طلب الإذن من الجزائر للسماح للطيران الفرنسي باستخدام الأجواء الجزائرية لشن غارات على النيجر.
لكن على الجانب الآخر –انقلاب الجابون- أبدت تفهمها لطلبات الجيش وأن ما حدث من تزوير في الانتخابات أو خروقات أخلت بالعملية الديمقراطية بالجابون.
الديمقراطية في بلاد النيجر
تبدي فرنسا بشكل مستمر غضبها الشديد مما حدث في النيجر، وتؤكد أنه لا بديل عن عودة الديمقراطية للبلاد، ولكن من ناحية الجابون رغم أن هناك مطالب بإعادة الفرز، ومن ثم الاعتراف برئيس آخر بعد استبعاد بونجو، إلا أنها قبلت بشكل غير معلن عن أداء قائد الانقلاب الجابوني أنجيما اليمين الدستورية لفترة انتقالية.
تساؤلات مشروعة
أثار التعامل الفرنسي للانقلابين، موجة من التساؤلات، هل دعمت فرنسا انقلاب الجابون تفاديا لانقلاب عسكري أقوي، وقامت بحركة استباقية؟، هل العلاقات الفرنسية مع الرئيس المعزول علي بونجو لم تكن على ما يرام؟، أم أن الانقلاب الجديد أبدى تفهمًا للمصالح الفرنسية في المنطقة؟.
المشاهد التي حدثت خلال انقلاب النيجر أكدت بما لا يدع مجالًا للشك أن قادة الانقلاب لا يدعمون الحكم الفرنسي «الخفي-المعلوم» للبلاد، بل خرج الآلاف ينددون بالاستعمار الفرنسي، رافعين أعلام روسيا.
وبإضافة بعد مختلف للموقف، فإنه بادٍ أن دولة النيجر، تنعم بعنصر اليورانيوم، وتمد فرنسا بـأكثر من 35% من احتياجاتها، لتوليد 70% من الكهرباء، ولكنها لا تجد أي إمداد للطاقة سوى من الدولة المجاور لها، وهي نيجيريا، التي قطعت الكهرباء عن الدولة بالكامل، حتى يفشل الانقلاب في تحقيق أهدافه، كما أن الشعب يقع أكتر من 50% منه تحت خط الفقر.
على الجانب الآخر فإن الوضع في الجابون ظهر مختلف بشكل كامل، سواء من جهة حركة الجيش أو من قبل الجموع المتظاهرة، التي استطاع الجيش الجابوني حشدها، كما لم تشير إلى أي غضب نحو فرنسا، أو ترفع لافتات منددة بالاحتلال الفرنسي أسوة بالنيجر.
الاتحاد الأوروبي يندد
ندد الاتحاد الأوروبي بالانتهاكات والخروقات التي حدثت في الانتخابات الجابونية، وبما حدث خلالها أو بعدها من قطع للإنترنت في ربوع البلاد إلى فرض حظر تجوال.
لم تقف فرنسا في وجه الانقلاب الجابوني بنفس الدرجة التي وقفت بها في النيجر، كما أن موقف الجيش النيجري الذي اتخد خطوات حاسمة لإنهاء الاستعمار الفرنسي السلمي للبلاد، كان يشير إلى رغبة حقيقية لانتهاء الحكم الفرنسي للنيجر.
العقوبات الفرنسية مختلفة
فرضت فرنسا عقوبات شديدة على النيجر ووقف مساعدات التنمية المقدرة بـ120 مليون يورو في 2022، بينما لم تقم بفرض أي عقوبات على الجابون حتى تلك اللحظة.
خطوات نيجرية كاشفة
فقد أكد المجلس العسكري أن النزاع لا يتعلق بالعلاقات بين شعبي النيجر وفرنسا، بل يتعلق بأهمية الوجود العسكري الفرنسي في النيجر، وإقامة علاقات محترمة ومتبادلة المنفعة.
كما أمر المجلس العسكري الشرطة بطرد السفير الفرنسي في خطوة تمثل مزيدا من التدهور في العلاقات بين البلدين، فيما ردت باريس بأن ضباط الجيش الذين استولوا على السلطة في نيامي الشهر الماضي ليس لديهم صلاحية اتخاذ مثل هذا القرار.
وقالوا إن «ماكرون وأمثاله يهدفون لترويع رؤساء الدول الإفريقية من خلال إثارة فوضى متمثلة في خطر انتقال عدوى الانقلابات العسكرية إلى المنطقة، دون الأخذ في الاعتبار الاختلافات بين السياقات الوطنية».
واتهموا الرئيس الفرنسي بمحاولة تخويف الدول واستغلال المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، وإجبارهم على التمسك بالمشروع الاستعماري الجديد لعصر آخر من غزو النيجر.
على الناحية الجابونية كان التعامل الإعلامي الفرنسي مع الانقلاب وكأنه ثورة من الجيش على حكم بونجو، حتى أن الموقع الفرنسي الأشهر فرنسا 24، أشار في إحدى تغطياته للانقلاب بهذا النص:
«يبدو نغيما متمتعا بتأييد غالبية من المواطنين الذين ينزلون يوميا إلى الشارع لإبداء تأييدهم للجيش الذي (حررهم من عائلة بونغو)».
وأدى الجنرال بريس أوليجي أنجيما اليمين الدستورية اليوم الاثنين ليصبح رئيسًا للجابون خلال مراسم أقيمت في القصر الجمهوري في ليبرفي بعد مضي نحو أسبوع من الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس علي بونجو.
«الانقلاب الانتخابي»
في كلمته خلال حفل التنصيب، أكد الجنرال أنجيما أن الجيش الجابوني تحمل مسئولية رفضه "الانقلاب الانتخابي" الذي شهدته البلاد يوم 31 أغسطس الماضي. وقد أشار بوضوح إلى الانتخابات التي أُجريت قبل الانقلاب والتي أسفرت عن فوز بونجو بولاية رئاسية ثالثة.
رسالة للعالم
أبدى الجنرال الذي كان يشغل منصب قائد الحرس الجمهوري استيائه من انتقادات بعض الأصوات الدولية للإجراءات التي اتخذها الجيش. وأعرب عن رغبته في تنظيم استفتاء عام لاعتماد دستور جديد للبلاد، مشيرًا إلى نيته تنظيم انتخابات حرة في نهاية المرحلة الانتقالية.
مستقبل مشرق
اختتم الجنرال أنجيما كلمته بالقول: "الأوقات الجميلة التي حلم بها أجدادنا أصبحت تتحقق"، ودعا الحكومة المقبلة إلى تسهيل عودة جميع المنفيين السياسيين وإرساء آليات لتحقيق التقدم والاستقرار في البلاد.
اقرأ أيضًا: الجابون والنيجر.. شعوب فقيرة في بلدان غنية والمستعمر القديم يترقب