


سحر حسني تكتب: الامتحان
كتب: سحر حسني




كنت أجلس بالأمس مع صديقتى نتجاذب أطراف الحديث .. فتطرقنا – بشكل عفوى – لأصدقائها ومواضيعهم .. وأصدقائى وحكاياتهم.
وأخذنى الحماس.. فرحت أقيِّم اختيارات هذا.. وتصرفات ذاك.. وانتهى اللقاء وافترقنا.
ووجدتنى طوال الليل أفكر فيما قلته.. وتذكرت ما دار بيننا من حديث.. ولاحظت أنى كنت أحكم بتسرع على تصرفات فلانة .. وأنها ما كان يجب أن تحتمل كل تلك المعاناه في حياتها.. وكان عليها أن تفعل كذا وكذا .. وأعترض على فلانة.. وأنها قد اتخذت القرار الخاطئ بغير حكمة في شئوون تخص حياتها.. وكان عليها أن تفعل كذا و كذا.
وظل ما كان بيننا من حوار يدور في رأسى بلا توقف .. حتى سمعت صوتاً ما بداخلى يعلو معترضاً:
كيف جرؤتى أن تقيّمى أداء الآخرين وتنتقديهم بهذه البساطة في بضع دقائق..؟!!
كيف اعتقدتى بمنتهى السذاجة أنك امتلكتى مفاتيح الحكمة و المنطق لتميّزى بين الخطأ و الصواب في تصرفاتهم... ؟!! ما هذه السطحية والضحالة في التفكير.. ؟!!
إن إختيارات كلاً منا لقراراته و شكل حياته مرهون بملابسات هو فقط من يعرفها .. و ظروف هو فقط من عاشها .. و إحتياجات هو فقط من يفتقدها و يشعر بها ..
كيف ألخصها أنا في كلمتين.. ؟! .. وأحكم عليه و أقيّم أداءه.. و لا أنا خضت تجربته على مدار سنين عمره.. و لا عانيت معاناته.. و لا اختبرت مشاعره و أحاسيسه التى بناء عليها سلك هذا السلوك.
ربما ما أراه أنا تعب ومعاناة لا تٌحتَمل.. هو بالنسبة له أداء يحقق سعادة ورضا يفوق ألم المعاناة.. قد يكون هذا القدر من السعادة الذى أراه أنا مكسب متواضع مقابل المدفوع فيها من أعصابه وصحته.. هي في الواقع طوق النجاة الذى منحته إياه الحياة ليقوى على العيش فيها بأمان .. بغض النظر عن حجم التعب و المعاناة..
أو ربما هذا هو الاختيار الوحيد الذى فرضته عليه الدنيا – رغم أنفه أو برضاه – حتى يتجنب وجع و ألم أكبر.. فقَبِلَ التحدى.. وخاض المعركة بشجاعة الفرسان.
تلك الشجاعة التي قد لا أملكها أنا شخصياً لو كنت مكانه وفي نفس ظروفه..
ربما .. و ربما .. و ربما ..ٍ
الحياة مليئة بملابسات وظروف لا أحد يعرف تفاصيلها إلا من خاض التجربة بنفسه..
لقد جئنا إلى الدنيا وقد منح الله كلاً منا أدواته.. من صحة وعقل وحكمة .. و قدرة تحمل .. ومشاعر .. وأدوات أخرى كثيرة تساعدنا على خوض الحياة بما إختاره الله لنا من ظروف شتى لا يعلمها إلا هو ..
أحياناً تتشابه أدواتنا و ظروفنا .. و أحياناً كثيرة تختلف .. الشئ الوحيد الذى نشترك فيه .. أن أحداً منا لا يختار أدواته و لا ينتقى ظروفه.. سواءً سهلة أم صعبة .. حلوة أم مرة.. كلها اختيارات إلهيه بحته..
في النهاية .. الحياة بمثابة ورقة إمتحان لكلٍ منا .. ورقة إمتحان ليس فيها سوى سؤال واحد :-
(كيف تستخدم الأدوات المعطاه .. في ظل الظروف المتاحة – بشكل مناسب – لخلق حياة متوازنة)
سؤال غاية في الصعوبة.. وجاهل من يدَّعى أنه يستطيع الإجابة عليه بسهولة..
حتى مدة الامتحان ليست واحدة للجميع.. فمنا من يمنحه الله فترة زمنية طويلة للإجابة.. ومنا من تُسحب منه ورقة الإجابة في أقصر وقت.. لأن مدة الامتحان ببساطة هي سنين عمرنا..
وليس منا من يملك الإجابة النموذجية.. الوحيد الذى يملكها هو من اختارنا لخوض الامتحان.. الله عز و جل.. هو وحده من يعلم: ماذا أعطى؟.. ولمن؟.. وكيف؟.. ولماذا؟ .. ومتى؟ ..
جميعنا نتلمس خطانا في الدنيا بالكاد.. أحياناً نخطو فيها بثبات.. وأحياناً كثيرة بتردد .. نحاول أن نتحرى موضع أقدامنا.. نتساند على حيطانها.. مجتهدين أن نحقق فيها ما استطعنا من نجاح.. محاولين اجتياز الامتحان بأمان ويسر .. طامعين في كرم الله أن يكافئنا.. حتى لو على شرف المحاولة.