داليا حسام تكتب: إسعاد يونس… كاريزما لا تنتهى طوال العمر
كتب: محمود عبد العظيم
إسعاد يونس، تلك القامة الإعلامية والفنية التي عرفناها منذ عقود، تظلّ اليوم واحدة من أبرز الأصوات التي تُذكّرنا بأن العمر ليس عبئًا، بل هو رصيدٌ من الخبرات والتجارب التي تزيد من قيمة الإنسان، لا تقللها. في لحظة صريحة وجريئة، أعلنت إسعاد عن عمرها الحقيقي أمام الجمهور، قائلة إنها تبلغ 74 عامًا. لم تخفِ سنها، بل قالتها بصوت مرتفع، لأنها تؤمن أن «العمر ليس جريمة»، وأن الناس، وخاصة السيدات، لا يجب أن يخشين من الصراحة حول أعمارهن.
هذه التصريحات لم تأتِ من فراغ، بل جاءت نتيجة رحلة طويلة من التأمل والتصالح مع النفس. إسعاد يونس، التي بدأت مسيرتها عام 1968 في الإذاعة، ثم انتقلت إلى التمثيل والإنتاج، لم تكتفِ بتقديم الفن فقط، بل بنت جسورًا من الثقافة والأدب، مستندة إلى نشأتها في بيت يتميّز بالثقافة والقراءة. والدها – الصحفي والمثقف – كان له تأثير كبير في تكوين شخصيتها، مما جعلها منذ صغرها قارئة واعية ومثقفة، كما ترعرعت وسط أسماء كبار الفنانين والأدباء الذين تزورهم أسرتها.
عندما تخوض إسعاد يونس الحديث عن السن، فهي لا تقول ذلك من منطلق الكبرياء فحسب، بل من منطلق دعوة للآخرين، خاصة النساء، ليتصالحوا مع فكرة العمر دون خجل أو خفايا. قالت مرة في مقابلة إذاعية إنها تشجع السيدات على إعلان أعمارهن بصراحة، لأن التخفي وراء أرقام مزيفة هو خضوع لمقياس المجتمع الضيق. هي ترفض فكرة أن تقدم المرأة في العمر يجب أن يُقابَل بالانسحاب، وتصرّ على أن وجودها الآن على الساحة الإعلامية والفنية هو تأكيد على أن القيمة الحقيقية لا تنتهي بزمن الشباب.
ليس العمر وحده ما يجعل حضور إسعاد يونس مؤثرًا، لكن ما يميّزها هو أسلوبها، روحها، ثقافتها، وعمقها الإنساني. في برنامجها «صاحبة السعادة»، استطاعت أن تتحاور مع الضيوف بكل دفء وصدق، أن تستمع وتشارك، أن تكون منَصّة للحديث العميق والقصص الشخصية، دون افتعال أو تصنع. إن عفويتها وابتسامتها، اللذان صارّا علامة مميزة لها، ليسا مجرد واجهة، بل انعكاس لخبرة طويلة، ووعي إنساني متجذّر.
عندما ينتقد البعض تقدمها في السن، تردّ بابتسامة وثقة: الوقت منحها حرّية جديدة، تحرّرت من الكثير من الضغوط، من التمثيل التقليدي فقط، ومن الصورة التي قد تفرضها توقعات المجتمع. تقول إنها سعيدة جدًا بالوقت الذي تعيشه الآن، وإن السنوات التي مرت ليست عبئًا، بل «رحلة من التجارب» التي تمنحها سلامًا داخليًا.
أما من يتحدثون عن الاعتزال، فقد كشفت في مقابلة أيضًا أنها تفكر فيه، لكنها لا تريده أن يأتي بسبب التقهقر الصحي أو الخمول، بل أن يكون قرارًا نابعًا من رغبة عميقة في التفرغ للذات، أو للناس الذين تحبهم، مثل أحفادها. هذا التفكير يعكس مدى سلامها مع الحياة، وأنها لا ترفض النهاية، لكنها ترجو أن تكون نهاية بمودة وكرامة، لا باضطرار.
رسالة إسعاد يونس للأجيال – خاصة السيدات – واضحة جدًا: «العمر ليس عارًا، وليس سببًا للخجل»، بل هو حالة من النضج، من الحكمة المكتسبة، من الخبرة المكتوبة على خطوط الوجه وفي الصوت وفي القلب. منذ بداياتها في الإذاعة إلى تأسيسها للشركة الإنتاجية، ومن مقالاتها إلى اللقاءات التلفزيونية، كانت تؤمن بأن الإنسان ليس مُقيَّدًا برقم السنوات، بل مفتوح على تجاربه، على فكره، على قلبه، وعلى حلمه.
في مجتمع كثيرًا ما يهمّش كبار السن، تجعل إسعاد يونس من وجودها علامة مضيئة تمنح الأمل: الأناقة لا تختفي مع التقدم في العمر، القيمة لا تُنسى، والوجود الإنساني يظل قويًا ما دام الإنسان يحتفظ بروحه، بثقافته، بثقته بنفسه. اليوم، بعد أكثر من خمسين عامًا في الميدان، تظل إسعاد يونس صوتًا حيًا ينبهنا إلى أن الزمن ليس عدوًا، بل رفيقًا إذا عرفناه، واحتضناه، واستقبلناه بابتسامة.



