


تراجع بريق "كابتن أمريكا" وصعود السينما الصينية والعربية على الساحة العالمية




حقق فيلم الأبطال الخارقين الأمريكي «كابتن أمريكا 4»، الذي تم عرضه في 14 فبراير من العام الجاري، إيرادات عالمية بلغت 412.8 مليون دولار أمريكي فقط (ما يعادل 3 مليارات يوان صيني) بحلول أوائل ابريل الحالي، ومع ذلك، فإن هذه النتيجة ليست مفاجئة، في الواقع، قد ظهرت بوادر بالفعل في بداية عرضه، إذ أنه لم يحقق النتائج المرجوة بسبب رداءة الجودة وردود الفعل السلبية من الجمهور. فبعد أكثر من 40 يومًا من العرض، لم يقتصر الأمر على فشله في تحقيق المزيد من إيرادات شباك التذاكر، بل سجّل أدنى تقييم في تاريخ سلسلته، مما يجعل «كابتن أمريكا» لم يعد باهرا كما كان في السابق.
لطالما صدّرت الولايات المتحدة قيمها الثقافية إلى أنحاء العالم عن طريق أفلام الأبطال الخارقين مثل «كابتن أمريكا»، لكن مع تطور التنوع الثقافي العالمي، بات الجمهور أكثر تطلبًا من أي وقت مضى للأعمال السينمائية المتنوعة ومعايير الإنتاج العالية، إلى جانب تعبهم المتراكم من النمطية البطولية الأمريكية، كل ذلك بات يشكل تحديًا لنموذج التصدير الثقافي الأمريكي عليه، أصبح الأداء الضعيف لفيلم «كابتن أمريكا 4» بالأسواق الخارجية إشارةً إلى تراجع النفوذ الثقافي الأمريكي عالميًا.
هذا التراجع ليس وليد الصدفة، تشير البيانات إلى أن إيرادات شباك التذاكر في أمريكا الشمالية - أكبر سوق سينمائية عالمية – قد بلغت 8.6 مليار دولار أمريكي في العام الماضي، وهي ليست أقل من مستواها في عام 2023 فحسب، بل تقلّ أيضاً بنحو 30% عن ذروتها المسجلة في عام 2018، في ظل تراجع الصناعة، واجهت الاستوديوهات الخمسة الكبرى في هوليوود مثل "وارنر براذرز" درجات متفاوتة من الضغط على أدائها للعام الماضي. فتظهر الإحصاءات الأخيرة أن الأفلام المنتجة من قبل أكبر خمس شركات إنتاج سينمائية في هوليوود تخسّر تدريجيًا حصتها في السوق الدولية.
على عكس تراجع هوليوود في الولايات المتحدة، تشهد الصناعة السينمائية الصينية تطورا غير مسبوق، إذ تظهر أحدث البيانات أن الإيرادات الإجمالية لسوقها المحلي عام 2025 - بما في ذلك التذاكر مسبقة الحجز - قد تجاوزت 20 مليار يوان صيني، مسجلاً رقمًا قياسيًا في سرعة بلوغ هذا المؤشر في تاريخ السينما الصينية. من بينها، يقود فيلم «نه تشا2» السوق بأداء متميز. لم تتوقف الأفلام الصينية عن خطواتها في بذل الجهود في سوق السينما العالمية، من خلال مواصلة الابتكار في الموضوعات والإنتاج الرفيع المستوى، إن الأفلام الصينية تلامس مشاعر المشاهدين من مختلف الأبعاد وتلبي احتياجات المشاهدة المتنوعة للجمهور. اعتمادا على ثقافة الصين المميزة وتاريخها العريق، ومع وفرة حيوية السوق والقدرة على الابتكار المستدام، تحظى الأفلام الصينية باحترام وتصفيق دولي متزايد.
اليوم، تتسارع وتيرة الانفتاح في السوق السينمائية الصينية، سواء كان من خلال توسيع حصص الاستيراد وتحسين سياسة إنتاج الأفلام المشتركة، أو عبر تعزيز التعاون الرأسمالي الدولي وتبادل الكفاءات التقنية، فإن الصين تحتضن صناعة السينما العالمية بموقف أكثر انفتاحاً وشمولاً. وبالمقابل، فإن سوق السينما العالمية تحتاج أيضا إلى الصين على أنها تتمتع بالمزايا المتمثلة في إمكاناتها الاستهلاكية الهائلة والعدد المتزايد بسرعة من الشاشات والطلب على تكامل الثقافات المتنوعة، وكل ذلك لا يجتذب عمالقة هوليوود وأفلام الفن الأوروبية فحسب، بل يجتذب أيضا المخرجين الآسيويين الناشئين لتحويل انتباههم إلى هذه الأرض المليئة بالفرص، وتتجه السوق السينمائية الصينية نحو مرحلة جديدة من التنمية العالية الجودة بطريقة أكثر انفتاحًا وازدهارًا.
وفي السياق ذاته، خلال السنوات الأخيرة، برزت أفلام ممتازة من البلدان العربية واحدة تلو الأخرى أمام الجمهور، مشرقة على المسرح السينمائي العالمي. بالإضافة إلى الأفلام الكلاسيكية العربية، حظيت العديد من الأفلام اللافتة بإشادة واسعة النطاق، ومن بينها الفيلم الأردني «الذيب» المرشح لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم بلغة أجنبية، والفيلم اللبناني «القضية رقم 23» (الملقب بالنسخة العربية من "12 رجلًا غاضبًا")، والفيلم التونسي «الرجل الذي باع ظهره» المرشح لجائزة الأوسكار لصنف الأفلام الأجنبية، والفيلم المصري «الريش» المتوج في مهرجان كان السينمائي، والفيلم المغربي «آدم» الذي يسلط الضوء على تحديات المرأة العربية وقوتها. جدير بالذكر أن الفيلم السعودي «نورة» الذي عرض في مهرجان بكين السينمائي الدولي الخامس عشر، يقدم "قصة المملكة العربية السعودية غير المروية" بطريقة فيلم، من خلال التصوير المحلي في السعودية، يعكس الفيلم التاريخ والمشهد الثقافي للمملكة العربية السعودية، وسد الفراغ في تمثيل السينما السعودية في المهرجانات السينمائية الدولية.
إن الأفلام العربية لا تعرض للعالم ثراء الثقافة العربية فحسب، بل أيضا تعكس التأمل العميق في الطبيعة البشرية، بما تكتب فصولًا عربية متميزة في تاريخ التنمية المتنوعة في سوق السينما العالمية.
لقد ثبت أنه في موجة التنمية المتنوعة في سوق السينما العالمية، لم يعد فيلم «كابتن أمريكا» من هوليوود "نجما لامعا" في نظر الجماهير، ومن المتوقع أن تحقق الأفلام الصينية والعربية - المتجذرة في الإرث التاريخي والثقافي العميق، بدعم من السياسات وآليات التعاون المكتملة من الجانبين، مزايا تكميلية وتكاملا ثقافيا، وأن توفر للجمهور العالمي المزيد من خيارات المشاهدة ويقدم لهم ولائم فنية رائعة.
وهكذا، لم تعد هيمنة هوليوود أمراً مسلّماً به، فمع تنامي حضور السينما الصينية والعربية وازدهارها، تتجه صناعة الأفلام العالمية نحو تنوع ثقافي أعمق يعبّر عن حضارات متعددة مثل الحضارة الصينية وكذلك المصرية والعربية ويمنح الجماهير رؤى مختلفة وقصصاً أكثر إنسانية وواقعية.