حسن عيسى يكتب: أنغام أبدعت بحفلتى العلمين والمتحف الكبير وهى تتألم من المرض
كتب: حسن عيسى
بدلاً من تمارس طقوس الاستعداد لجراحة حرجة، ارتدت أجمل فساتينها، تعطّرت وزينت نفسها، وذهبت إلى العلمين لتغني لجمهورها، وكأنها تستقوي به على الألم. تقاوم المرض بالغناء، بكل نغمة وبكل ابتسامة، معلنة أنها لن تستسلم.
بعد يومين، عادت لتغني من جديد في المتحف الجديد وقد ارتدت فستانًا أخضر بلون الحياة، وتقاوم المرض بمزيد من العناء، والموسيقى والبهجة، حتى بدا أن المرض نفسه توقف للحظة مشدوه من صلابتها ، كيف صوتها ان يواجهه بدون ان يرتجف.
لم تكن أنغام يومًا مطربتي المفضلة… ولكني كنت أراقبها دومًا وهي تنتفض للحياة، تدخل المعارك وتخرج واقفة، حتى لو جروحها محفورة جوه قلبها تاركه علامات في روحها. تظهر برضوح في عينيها إلا أنها تخفي وراء ابتسامة العناد كسرًا قديمًا،. ولكنها دائمًا منتصرة.
ثم جاء المرض كعدو قديم ماكر، يترصّد اللحظة المناسبة كي ينقض. ملامحه ليست غريبة عليّ مرسومة فوق ذاكرتي العائلية فأنا من أسرة لها تاريخ طويل معه منذ أن حل كضيف ثقيل على الأجداد، مرورًا بأبي وأمي. البعض غلبه، والبعض استسلم له… وأي إنسان عاش التجربة يكره حتى يسمع اسمه، لأنه محمّل بالوجع، مليان صور مقبضة: طرقات مستشفيات باردة، وجوه ممرضات قاسية اعتادت الألم، دكاترة بيشوفوا المريض كحالة مش كإنسان، ورائحة دواء معلّقة على الهدوم، برودة الرعاية المركزة، وانتظار يسرق الروح.
ما زلت أتذكر جملة طبيب أبي عندما طلبني بشكل خاص ليخبرني أن: “العملية لإزالة الورم في حالة والدي … نسبة نجاحها ضعيفة جدًا.” لم ينقذني من الانهيار في تلك اللحظة غير صوت أبي، وهو يلقني وصيته الأخيرة ثم خلع دبلته وقالي خُد دبلة جوازي… نسيت أقلعها.” لتصير تلك الجملة الأخيرة التي قالها لي، وتحفر في قلبي إلى الأبد.
المرض مش بس ألم في الجسد… هو الدعاء المبحوح اللي بيطلع من قلبك للسماء، الرجاء اللي بيشدك رغم الانكسار، اليأس اللي يقتحمك فجأة، ونظرة الخوف في عيون اللي بتحبهم، واللي ما يلاقوش غير إيدك المرتعشة وابتسامتك المصطنعة عشان يطمنوا بيك.
ورغم شراستة إلا ان هناك ناس بتقدر تحول الوجع ده لقوة. أتمنى أنغام تبقى واحدة منهم. زي ما كانت عنيدة في فنها، في اختياراتها، في تمسكها بالحياة. العناد ده يمكن يكون هو اللي يخليها تكسب معركتها مع المرض… زي ما كسبت كل مرة وقفت وقالت: "مش هانكسر".
القوة مش غياب الألم… القوة إنك تقوم بعد كل سقطة، وتتمسك بالحياة كأنها أغنية تُغنّى. وأنغام دلوقتي عايشة اللحظة دي: تتوجع، تتصارع، لكنها واقفة تغني أغنيتها للحياة والحب والأمل…... نعم… أنغام ستعود لتغني للحياة.



