


اعترافات تاريخية بدولة فلسطين من بريطانيا وكندا وأستراليا تُعيد الزخم لحل الدولتين قبل مؤتمر أممي مرتقب
كتب: حسناء حسن




قبل انعقاد مؤتمر مهم حول «حل الدولتين»، شهدت فلسطين اعترافات تاريخية يوم الأحد من بريطانيا وكندا وأستراليا، التي أعلنت مواقفها بشكل شبه متزامن.
وبذلك ارتفع عدد الدول التي تعترف بفلسطين إلى 152 دولة، مع توقع إعلان المزيد من الدول اعترافها خلال المؤتمر المرتقب الذي ستتولى رئاسته كل من السعودية وفرنسا، والمقرر عقده في القاعة العامة للجمعية العامة للأمم المتحدة في الساعة الثالثة بعد ظهر الاثنين بتوقيت نيويورك (الثامنة مساءً بتوقيت غرينتش).
من المتوقع أن تُلقى في المؤتمر كلمتان رئيسيتان للسعودية وفرنسا، تليهما كلمات من ممثلي الدول التي اعترفت بدولة فلسطين، والدول التي تنوي القيام بذلك.
وفي خطوة مهمة، أعلن رئيس وزراء بريطانيا كير ستارمر عن الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين، ما يمثل تحولاً كبيراً في سياسة المملكة المتحدة الخارجية. وصرح ستارمر في رسالة مصورة على منصة «إكس» بأن المملكة المتحدة تعلن اليوم الاعتراف بدولة فلسطين من أجل إحياء الأمل في تحقيق السلام للفلسطينيين والإسرائيليين عبر حل الدولتين.
كما أعلن رئيس وزراء كندا مارك كارني اعتراف بلاده بدولة فلسطين، معتبراً أن إسرائيل تمنع بشكل منهجي قيام دولة فلسطينية، وأن اعتراف كندا يأتي كجزء من جهد دولي منسق لتحقيق حل الدولتين.
وأعلنت أستراليا أيضاً اعترافها بدولة فلسطين، مؤكدة في بيان رسمي أن هذه الخطوة تأتي ضمن الجهود الدولية الرامية إلى تحقيق حل الدولتين.
الرئيس الفلسطيني محمود عباس رحّب بهذه الاعترافات من بريطانيا وأستراليا وكندا، واعتبرها خطوة مهمة نحو السلام العادل والدائم. وأكد عباس أن الأولويات الآن تشمل وقف إطلاق النار، وإدخال المساعدات، والإفراج عن الرهائن والأسرى، والانسحاب الكامل لإسرائيل من قطاع غزة، فضلاً عن تولي فلسطين مسؤولياتها والبدء في إعادة الإعمار، بالإضافة إلى وقف الاستيطان وعنف المستوطنين.
وأشار عباس إلى أن اعتراف هذه الدول بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره واستقلاله سيسهم في تنفيذ حل الدولتين ليعيش الشعبان الفلسطيني والإسرائيلي جنباً إلى جنب في سلام وأمن.
في المقابل، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رفضه للدعوات إلى إقامة دولة فلسطينية، معتبراً أن ذلك يشكل تهديداً وجودياً لإسرائيل. وقال في اجتماع حكومي إنّه سيحارب ما وصفه بالدعاية ضد إسرائيل، وسيسعى لعرض وجهة نظر بلاده في الأمم المتحدة، متعهداً بمحاربة الدعوات لإقامة دولة فلسطينية التي وصفها بأنها مكافأة للإرهاب.
وأضاف نتنياهو أنه سيجتمع مع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بعد اجتماع الجمعية العامة، وأنهما لديهما الكثير لمناقشته.
تأتي هذه الاعترافات ضمن زخم كبير عشية اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي تحتفل هذه السنة بمرور 80 عاماً على تأسيسها، وتضع القضية الفلسطينية في مقدمة أولوياتها.
وفي وقت سابق، صدقت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية كبيرة على «إعلان نيويورك» الناتج عن مؤتمر رفيع المستوى للتسوية السلمية لقضية فلسطين وحل الدولتين، حيث صوتت 142 دولة لصالحه مقابل معارضة 10 دول وامتناع 12 دولة.
وفي ظل استمرار النزاع، تطورت القضية الفلسطينية إلى صراع دبلوماسي واسع النطاق، لا يقتصر على إسرائيل فحسب، بل يشمل أيضاً الولايات المتحدة التي تدعم إسرائيل دعمًا غير مشروط في حربها ضد «حماس»، والتي يصفها خبراء الأمم المتحدة حالياً بأنها تشكل عملية إبادة جماعية للفلسطينيين في غزة. وترفض إدارة ترمب هذه التوجهات الدولية التي يدعمها حلفاء أميركيون وأوروبيون كبار.
المبادرة الحالية تشكل خارطة طريق لوقف الحرب في غزة وإعادة البناء، وتعزيز التقدم نحو السلام على أساس قرارات الشرعية الدولية، وتربط الاعترافات بدولة فلسطين بخطة «اليوم التالي» التي تحتوي على 42 بنداً تتضمن خطوات واضحة ومحددة زمنياً نحو تحقيق حل الدولتين فور إعلان وقف إطلاق النار في غزة.
ومن بين الخطوات العملية إنشاء لجنة إدارية انتقالية للإشراف على حكم قطاع غزة وقوة استقرار تحت رعاية الأمم المتحدة لتوفير الأمن.
رغم منع إدارة ترمب وفد فلسطين من دخول الولايات المتحدة والمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة، يظل مؤتمر «حل الدولتين» الحدث الأبرز في أعمال الأمم المتحدة هذا العام، متجاوزاً قضايا أخرى كالغزو الروسي لأوكرانيا والتطورات في سوريا.
ويُذكر أن الرئيس السوري أحمد الشرع سيكون أول زعيم سوري يلقي خطاباً في الجمعية العامة منذ تأسيس الأمم المتحدة عام 1945، في خطوة مهمة تعكس انفتاحه على تفاهمات أمنية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، وهو ما يدعم سردية ترمب كصانع سلام يستحق جائزة نوبل.
في الوقت نفسه، تعاني الأمم المتحدة من ضعف واضح، خصوصاً في مجلس الأمن الذي يعد السند الأساسي للأمن والسلم الدوليين، نتيجة إخفاقه في حل نزاعات كبرى تهدد النظام الدولي القائم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
الأمم المتحدة غير قادرة على تعويض تراجع هيمنة الولايات المتحدة بعد تبني إدارة ترمب سياسة «أميركا أولاً» التي تحوّلت إلى استخدام المنظمات الدولية لخدمة أجندة أميركية ضيقة، مع تقليل التمويل الأمريكي للأمم المتحدة، وهو ما يعكس تراجع النفوذ الأمريكي مقابل صعود فرنسا وبريطانيا وروسيا والصين.
وتعكس سياسات إدارة ترمب تحولات في التوازنات الدولية، حيث انحازت الولايات المتحدة في مجلس الأمن إلى روسيا في عدة مناسبات، مثل رفض قرار يدين الغزو الروسي لأوكرانيا.
ويرى خبراء أن سياسة ترمب تجاه الأمم المتحدة كانت مدمرة وأحياناً ثأرية، فيما تحذر منظمات حقوقية من أن النظام الدولي المتعدد الأطراف يواجه تهديداً وجودياً، خاصة مع انتهاكات كبيرة للقانون الدولي الإنساني في مناطق مثل غزة وأوكرانيا.
في المقابل، يؤكد البيت الأبيض أن ترمب سيقدم رؤية لعالم آمن ومزدهر وسلمي في خطابه أمام الجمعية العامة، مشيراً إلى أن قيادته استعادت قوة الولايات المتحدة وجعلت العالم أكثر استقراراً.
وتدعم الولايات المتحدة أيضاً خطوات الحكومات الأوروبية لإعادة فرض عقوبات على إيران بسبب انتهاكها الاتفاق النووي، بينما ترى إدارة ترمب أن الأمم المتحدة تعاني من سوء إدارة وضعف فاعلية، ولا تستحق التمويل بأموال دافعي الضرائب الأمريكيين.
كما تؤمن الإدارة بأن نفوذ الولايات المتحدة يمكن أن يمارس خارج إطار الأمم المتحدة، مشددة على أن المنظمة الدولية عاجزة عن معالجة الأزمات وتزداد عداءً لإسرائيل، وفق وجهة نظرها.