Elasimah AdPlace
Elasimah AdPlace
Elasimah AdPlace

حسن عيسى يكتب: أم كلثوم وحفيدتها.. مقارنة بين زمنين الأول فتح أبواب العقل والثاني أغلقه

 كتب:  حسن عيسى
 
حسن عيسى يكتب: أم كلثوم وحفيدتها.. مقارنة بين زمنين الأول فتح أبواب العقل والثاني أغلقه
أم كلثوم وحفيدتها
Elasimah AdPlace
Elasimah AdPlace
Elasimah AdPlace

في يوم من الأيام سمح المجتمع المصري لطفلة قادمة من أعماق الريف أن تتعلّم، أن تقرأ، أن تغني، أن تتحدث بلغة النخبة، وتقود وجدان أمة، صارت سيدةً ينهض لها المسرح وقوفًا، وتصمت لها القاعات احترامًا، سيدة اسمها أم كلثوم.

أم كلثوم لم تكن مجرد مغنية، كانت مشروع مجتمع، تجربة ثقافية، ودليلاً حيًّا على ما يمكن أن يصنعه الوعي حين يحتضن الموهبة، في زمنها، كان المسرح محرابًا للجمال، وكانت قيمة الفنان تُقاس بمقدار ما  يقدمه من فن يهذّب، ويُرقّي، ويضيء. مجتمع يرى أن الأغنية العظيمة قد تصنع وعيًا… كما تفعل المدرسة والكتاب.  


الفن ماكانش مجرد تسلية، كان طقس من طقوس الفرح… بييجي في ميعاده زي االاعباد والمواسم.


النهاردة، نقف في زمنٍ آخر، أمام فتاة ريفية أخرى، وُلدت في نفس الأرض، لكن في سياق مختلف تمامًا؛ مجتمع يُعاد تشكيله على مفاهيم جديدة، مجتمع منغلق، يقدم  القسوة كفضيلة، ويُلبس الحرمان ثوب الطهارة، ويرفع الجهل إلى منزلة اليقين.

في هذا السياق، تظهر فتاة صغيرة، تتحدث بثقة تُثير التأمل، وتجتهد — عن قناعة — في تأويل حديث نبوي شريف، مع الاخذ في الاعتبار أن حجاب هذه الفتاة أو اعتزالها لأي نوع من أنواع العمل أو الفن هو قرار شخصي بحت، لا يملك أحد أن يحاسبها عليه أو يُقحم نفسه فيه... فهي لم تشتغل أصلًا كي تعتزل، ولم تقدم لنا مشروعًا فنّيًا حتى نختلف حول نهايته.

هذا ليس موضع الاستياء.. ما أثار الاستغراب — وربما القلق هو  تحريمها للفن على الجميع، وكأن الرسول، قبل أكثر من أربعة عشر قرنًا، كان يقصد مصر تحديدًا في عام 2025، ويشير إلى لحظتنا نحن، دون سواها من بلاد الأرض، باعتبارها الزمان والمكان الذي يختلط فيه الحلال بالحرام، والحق بالباطل.

وكأنها لا تنقل وجهة نظرها، بل تعلن حكمًا عامًا لا يقبل النقاش، وتُنزّل تفسيرها الخاص منزلة الوحي والمخيف في الأمر، أنها تتحدث عن وجهة نظرها الشخصية ومفهومها المحدود على أنه “الدين”، فمن يخالفها الرأي، يُتهم بالكفر، أو على الأقل يروّج للفسوق والانحراف. تقول ذلك بلا سوء نية، لكن من زاوية ضيقة، تشبّعت برؤية تُقصي كل ما هو مختلف، وتختزل الدين والثقافة والانتماء في قوالب جامدة، تضع ما لا تفهمه او تدركه في خانة الحرام.

المقارنة هنا ليست بين شخصين، بل بين فكرين، بين زمنين: زمن احتضن الحلم وفتح أبواب العقل، وزمن يُغلق هذه الأبواب، ويخشى ما لا يفهمه. أم كلثوم وقفت على المسرح لتغني للإنسان، لتبكي معه، وتزرع فيه الإحساس بأنه يستحق أن يحب، ويشتاق، ويحلم، ويتطهّر بالجمال.. هكذا يُختصر الفرق: زمن كان يرى في الفن بابًا للوعي، وزمن يراه بوابة للهلاك. زمن احتضن الريفية، فصنع منها سيدة الغناء العربي، وزمن يُخرّج من نفس الأرض من يُغلق باب الفن، ويُطارد الحلم، ويُحرّم الإحساس.


المؤلم ليس في ضياع موهبة ، بل في انكسار معنى.. ليس في غياب الطموح، بل في تراجع الإنسان عن إنسانيته.