Elasimah AdPlace
Elasimah AdPlace
Elasimah AdPlace

حسن عيسى يكتب: المخرجة إنعام محمد على.. عصفور بين النسور 

 كتب:  سماح غنيم
 
حسن عيسى يكتب: المخرجة إنعام محمد على.. عصفور بين النسور 
Elasimah AdPlace
Elasimah AdPlace
Elasimah AdPlace
 
بعض الوجوه تمرّ في حياتك كنسمة، وبعضها يبقى كجدارٍ تتكئ عليه؛ والمخرجة إنعام محمد علي كانت الجدار والنسمة معًا. حياتها كلها فن، وملامحها مطبوعة بصدق المبدع الذي لا يعرف إلا أن يترك أثره.
 
أتذكر حين كنت أعمل معها مساعد مخرج حتى يكاد جسدي يتساقط من الإرهاق. كنت أقول لها مازحًا: “هاموت من التعب”، فكانت تبتسم في هدوء وترد: “التعب عمره ما بيموت… الموت الحقيقي أن يُعرض عملك ويفشل، ولا تجد من يشاهده. هذا هو الموت المحقق لأي مبدع.” كلماتها كانت تشبهها: بسيطة وعميقة، صلبة كالفولاذ خلف مظهر رقيق.
وأتذكر أن السيدة فاتن حمامة ألقت طرفة ذات يوم أثناء تصوير ضمير أبلة حكمت قائلة: “لو حدث وانهار ستوديو التصوير سنجد من يتحرك تحت الأنقاض لتخرج لنا إنعام محمد علي، تسألنا: إيه اللي معطلنا؟ ليه مش بنشتغل؟”
هكذا كانت، عملها هو حياتها، وحياتها كلها فن.
 
إنعام ابنة الصعيد الجواني، خرجت من بيئة تُثقل النساء بالقيود، لكنها صنعت قدرها بيديها. لم تستسلم لصدمات القدر ولا لإحباطات مجتمع يشكك في إبداع المرأة، ولا لضغوط تسحبها للخلف.
 
في زمنٍ كان التلفزيون المصري يتشكل كأحد أعمدة الوعي الجمعي، كانت الصناعة كلها تكاد تُختَصر في أسماء الرجال. من غرف الإضاءة والكاميرات، إلى المكاتب التي تُكتب فيها الخطط الدرامية، كان يُنظر للمرأة على أنها وجه أمام الشاشة لا عقل خلفها. سيدة جميلة تؤدي دورًا، لكن ليس مُبدعة تصنع العمل. وسط هذا المناخ القاسي، خرجت إنعام محمد علي، ونساء أخريات، أشبه بمقاتلات صامتات يختبئن خلف حياء أنثوي، ويعملن بصلابة لا يراها أحد.
 
من أول أعمالها “هي والمستحيل”، وضعت قدميها على طريق لم يطرقه كثيرون. ثم مضت بين “آسفة أرفض الطلاق”، و“الحب وأشياء أخرى”، و“ضمير أبلة حكمت”، حتى “الطريق إلى إيلات”، لتنسج خيوطًا من الوعي والوجدان، لا مجرد دراما عابرة.
أعمالها كانت أشبه بمرايا، تعكس قلوب الناس وآلامهم وأحلامهم، وتعيد صياغتها بصدق فني نادر. وقدمت أساطير مثل “أم كلثوم”، وسيرة قاسم أمين، ومصطفى مشرفة.
كان سلاحها الأساسي هو اختيار النص والقضية التي تناقشها.
 
ولأنها رقيقة كحبات السكر، عنيدة كالصخر، لم تكن إنعام مجرد مخرجة، بل كانت حالة إبداعية متكاملة. امرأة شديدة الخجل، لكنها قادرة أن تقود فريقًا أغلبه من الرجال، في زمن كان يُظن فيه أن المرأة مكانها الوحيد هو أمام الكاميرا لا خلفها.
 
هكذا عاشت إنعام محمد علي… عصفورًا وسط نسور، تُحلق بخيالها، وتترك لنا إرثًا من الضوء، يشبهها في نقائه وصلابته معًا.