


حسن عيسى يكتب: عودة قطاع الإنتاج
كتب: سماح غنيم




المؤسسات الكبيرة تشبه الأشجار العتيقة؛ لا يقتلعها مرور الزمن ولا تغيّر الفصول، لكنها تذبل حين يتراجع الإيمان برسالتها ونغفل أثرها العميق في حياة المجتمع. وقطاع الإنتاج لم يكن يومًا مجرد مبنى، بل فكرة… والفكرة لا تموت. قد تتعثر أحيانًا، لكنها لا تفقد صلاحيتها ولا قيمتها، والعودة لا تبدأ من الماضي، بل من الواقع الذي نعيشه الآن.
اليوم يقف القطاع أمام واقع مختلف، سوق سريع الحركة، جمهور أكثر وعيًا وتطلّبًا، منصات عرض جديدة، ونصوص صارت أصعب في الوصول. هذه التحديات ليست نهايات، لكنها دعوة لأن نرى بصفاء، ونفكّر بجرأة، ونكتب بداية تناسب عصرنا، وتعيد للدراما المصرية حضورها المؤثر.
العودة الحقيقية لا تخص جهة واحدة، بل لكل من يؤمن أن الفن رسالة وصناعة ومتعة معًا. كل موهبة تُمنح الفرصة، كل فكرة صادقة تنمو، وكل جهد يُقدَّم بروح وطنية هو جزء من النبض الذي يُعيد لهذا القطاع هويته. ولسنا مطالبين اليوم باستنساخ الماضي، بل بكتابة صفحة جديدة تستوعب المتغيرات التي طالت المجتمع كله لا الصناعة وحدها، صفحة تبحث عن دراما صادقة تُشبه الناس وتبقى في قلوبهم، على أن تُبنى هذه العودة أيضًا على تمويل ذاتي مستدام من تسويق الأعمال الفنية، بحيث لا تكون عبئًا على خزينة الدولة. ولن يتحقق هذا إلا بمزج حلم الشباب مع خبرة الكبار وروحهم الفنية، ليظل قطاع الإنتاج بيتًا مفتوحًا لكل مبدع.
نحن لا نملك عصا سحرية، ولا حلولًا سريعة تعيد كل شيء كما كان، لكننا نملك الإصرار، والرغبة الصادقة، والطموح ليعود هذا الصرح إلى مكانه الطبيعي. العودة لن تأتي بقرار فردي، بل تحتاج إلى مشاركة كل المبدعين وأصحاب الرأي والفكر، لرسم خطة طموحة تُعيد للدراما المصرية ريادتها بأيدي أبنائها. كل فكرة، كل خطوة، كل مبادرة صادقة هي شعاع صغير يفتح الباب لإعادة ترتيب البيت وتجديد أولوياته، وإشراك المواهب الشابة جنبًا إلى جنب مع أصحاب الخبرات الفنية، لتظل الموهبة والخبرة متكاملة.
وفي ساحة درامية واسعة تتحرك فيها شركات ومنصات خاصة وفق منطق السوق، يبقى هناك فراغ لصوت وطني متوازن يجمع بين الجودة والهوية، بين الربح والمسؤولية الثقافية. هذا الدور لم ولن يملأه سوى قطاع الإنتاج.
إن عودة هذا الصرح العريق ليست حلمًا رومانسيًا، بل خطة ممكنة حين تلتقي الإرادة بالموهبة، والإدارة بالمسؤولية، وينفتح الباب لكل من يريد أن يكون جزءًا من صناعة فن يعيش في وجدان الناس ويترك أثرًا حقيقيًا في الثقافة والمجتمع