Elasimah AdPlace
Elasimah AdPlace
Elasimah AdPlace

داليا حسام تكتب: يوسف وهبي.. الرجل الذي عاش على خشبة الحياة

 كتب:  داليا حسام
 
داليا حسام تكتب: يوسف وهبي.. الرجل الذي عاش على خشبة الحياة
Elasimah AdPlace
Elasimah AdPlace
Elasimah AdPlace
في مدينة الفيوم، في صيف الرابع عشر من يوليو عام 1898، وُلد طفل قدّر له أن يكون "عميد المسرح العربي".
كان يوسف وهبي ابنًا لعائلة ميسورة، والده يعمل مفتشًا للري، والمستقبل المرسوم أمامه أن يعيش حياة مستقرة بعيدًا عن الأضواء. لكن قلبه كان يخفق لشيء آخر.. لم يكن للحقول ولا للمكاتب، بل لخشبة المسرح وصوت التصفيق.
 
منذ الصغر، كان المسرح بالنسبة له عالمًا سحريًا. أسرته رفضت في البداية، فكيف لابن البيوت الثرية أن يقف ممثلًا على الخشبة؟ لكنه لم يتراجع، فالفن كان قدره. حمل حلمه وسافر إلى إيطاليا، حيث تعلّم هناك أبجديات المسرح، ووقف في قاعات الدراما الأوروبية يتأمل كيف يُبنى العرض وكيف يكتب الممثل حضوره على الخشبة. هناك، في بلاد الأوبرا والدراما، صُقلت موهبته وصار يعرف أن رسالته في الحياة هي الفن.
 
عاد إلى مصر محمّلًا بالشغف والرؤية، وأسّس فرقة "رمسيس" عام 1923. لم تكن فرقة مسرحية فحسب، بل كانت ثورة على التقاليد الجامدة، مدرسة خرج منها عمالقة الفن. على خشبتها، ناقش يوسف وهبي قضايا المجتمع بجرأة لم يعتدها الجمهور، فكان المسرح في عهده مرآة حقيقية للحياة.
 
لكن المسرح لم يكن حدود موهبته، فالسينما نادته أيضًا. دخلها منذ بداياتها في مصر، وأبهر الجمهور بشخصياته التي تراوحت بين الأب الحنون والشرير القاسي والعاشق المأساوي. في غرام وانتقام بكى الجمهور معه، وفي إشاعة حب ضحكوا من قلبهم وهو يجسد الأب بخفة ظل لا تُنسى. كان قادرًا أن يغيّر ملامحه، وصوته، وحتى حضوره ليناسب كل دور، وكأن الحياة كلها خشبة وهو الممثل الأول.
 
أطلقوا عليه "عميد المسرح العربي"، ومنحه الملك فاروق لقب "بك"، لكنه ظل يعتبر أن أعظم تكريم هو حب الجمهور. عاش حياته بين الأضواء، لكنه لم ينسَ أن الفن رسالة، لذلك أدخل قضايا الفقر والظلم والحرية إلى أعماله، ليثبت أن المسرح ليس للترفيه فقط، بل للتفكير والتغيير.
 
في حياته الخاصة، كان يوسف وهبي إنسانًا مليئًا بالتقلبات. عرف الحب أكثر من مرة، وعرف الخسارة أيضًا. عاش محاطًا بالجدل أحيانًا، لكن ذلك لم يُنقص من مكانته، بل زاده بريقًا وعمقًا.
 
وفي 17 أكتوبر 1982، أسدل الستار على حياة يوسف وهبي. رحل الجسد، لكن صوته وصورته لا تزال على المسرح والشاشة، يهمس لنا أن الفن حياة، وأن الممثل لا يموت ما دامت أدواره تُروى.
 
 يوسف وهبي لم يكن مجرد فنان، بل كان مسرحًا يمشي على الأرض. ترك لنا إرثًا من الأدوار والحكايات، وما زال يعلّم الأجيال أن الفن صدق، وأن الموهبة لا تُشترى ولا تُباع، بل تُولد مع أصحابها لتصنع منهم أساطير خالدة.