الأخوين الصبّاغ… عشرون عامًا من المسرح الغنائي الذي يُنصِت للإنسان
كتب: مايا إبراهيم
يُعتبر الأخوان فريد وماهر الصبّاغ من أبرز صانعي المسرح الغنائي في لبنان، حيث نجحا خلال عشرين عامًا في بناء تجربة فنية متفردة تجمع بين النصوص متعددة الطبقات، الرمزية الإنسانية العميقة، والموسيقى الواعية. لم يقدّما المسرح للترفيه فقط، بل جعلاه منصة للتفكير ووعي المشاهد، مؤكدين أن الفن فعل وعي قبل أن يكون عرضًا.
ما يميزهما هو تناغمهما الاستثنائي في العمل معًا، كما لو كانا توأمًا يعرف كيف يكمّل بعضه؛ يشبّه البعض أداؤهما بـلعبة الـPing Pong المتقنة، حيث التبادل السلس والمتناسق للأفكار والحركة والموسيقى، ما يمنح المسرحية حيوية وانسيابية فريدة.
ويستحق فريد الصبّاغ إشادة خاصة على صوته الغنائي العميق والرنان والقادر على نقل أعقد المشاعر الإنسانية بكلمة أو نغمة واحدة، فيما يبرز ماهر الصبّاغ براعة التوجيه المسرحي وإدارة الموسيقى، ليكتمل العرض الفني بشكل متوازن ومؤثر.
بدأ الأخوان مسيرتهما مع أعمال مثل «تشي غيفارا»، وتابعوا تقديم مسرحيات «من أيام صلاح الدين»، «الطائفة 19»، «حركة 6 أيار»، و*«مش بس عالميلاد»*، محافظةً على هويتها الفنية والفكرية، ومثبتين مكانتهما كرمزين للمسرح الغنائي الواعي في لبنان.
شهد العرض الأول لمسرحية «أنا وغيفارا»، المقامة على خشبة مسرح جورج الخامس – أدونيس، حضور عدد من الممثلين والفنانين والإعلاميين، إضافة إلى رجال من السياسة والشخصيات العامة، ما يعكس المكانة الرفيعة للأخوين الصبّاغ وأهمية عملهما في المشهد الثقافي اللبناني.


وفي المسرحية، يواصل الأخوين الصبّاغ نهجهم الفريد باستخدام المقاربة الاستقرائية للكشف التدريجي عن المعنى، حيث تتجلى رسائل أخلاقية وإنسانية قوية تشمل:
• رفض العنف وسلطة السلاح، من خلال مشهد مصادرة البندقية من صبية صغيرة.
• أهمية البعد الإنساني للثورة، عبر مواجهة غيفارا بالعدرا التي تمثل الإيمان، السلام، والمحبة.
• دور المرأة كضمير أخلاقي وناقل للقيم الإنسانية، وحاملة للبوصلة الأخلاقية داخل العمل.
• المسؤولية الفردية والوعي عند نقل الأفكار أو المثل العليا.
• التوازن بين الفرد والمجتمع، بين الخير والشر، وبين الحرية والانضباط، ممثلاً بالبيانو الأبيض والأسود والرموز الأخرى.
• أهمية الصدق والفهم العميق قبل اتخاذ أي قرار أو تبني أي فكرة.
• تحذير من استمرار العمل أو الثورة بدون وعي إنساني، الذي يؤدي إلى تحريف الفكرة وفقدان معناها.
• القوة الداخلية للفرد وتأثيرها على المجتمع من خلال الاختيارات الصحيحة والمسؤولة.

وتتألق كارين رميا في الأداء الغنائي والدرامي، مقدّمة صوتًا يجمع بين الصفاء والرقة من جهة، والقوة العاطفية المتزنة من جهة أخرى، مع قدرة فائقة على لمس إحساس المشاهد بدقة وصدق، لتصبح جزءًا لا يتجزأ من قوة العمل الفني، إلى جانب عمق الأداء الصوتي لفريد الصبّاغ وحنكته المسرحية ومهارة ماهر في التوجيه والإدارة الفنية.

ويشارك في البطولة نخبة من الفنانين، من بينهم كارين رميا، نادين الراسي، أنطوانيت عقيقي، جوزف آصاف، ريمون صليبا، ورفيق فخري، إضافة إلى الأخوين الصبّاغ، في تجربة تثبت أن هذا المسرح ليس مجرد عروض، بل رسالة فنية متكاملة تجمع بين الفكر، الإحساس، والإنسانية.

وفي ظل الواقع اللبناني المأزوم، يبدو مسرح الأخوين الصبّاغ شبيهًا بلبنان نفسه: يقف في عز العواصف، يصرّ على البقاء، ويخلق الضوء من العتمة، مؤكدًا أن الفن الصادق قادر على الصمود، طرح الأسئلة الكبرى، والدفاع عن الإنسان حتى في أصعب الأوقات.




